المسألة الخامسة : في ، قد ذكرنا شبهة القوم في إنكار هذا التحويل ، وهي أن الجهات لما كانت متساوية في جميع الصفات كان تحويل القبلة من جهة إلى جهة مجرد العبث ، فلا يكون ذلك من فعل الحكيم . حكمة تحويل القبلة من جهة إلى جهة
والجواب عنه : أما على قول أهل السنة : إنه لا يجب تعليل أحكام الله تعالى بالحكم فالأمر ظاهر ، وأما على قول المعتزلة فلهم طريقان :
الأول : أنه ، وبيانه من وجوه : لا يمتنع اختلاف المصالح بحسب اختلاف الجهات
أحدها : أنه إذا ترسخ في أوهام بعض الناس أن هذه الجهات أشرف من غيرها بسبب أن هذا البيت بناه الخليل وعظمه ، كان هذا الإنسان عند استقباله أشد تعظيما وخشوعا ، وذلك مصلحة مطلوبة .
وثانيها : أنه لما كان بناء هذا البيت سببا لظهور دولة العرب كانت رغبتهم في تعظيمه أشد .
وثالثها : أن اليهود لما كانوا يعيرون المسلمين عند استقبال بيت المقدس بأنه لولا أنا أرشدناكم إلى القبلة لما كنتم تعرفون القبلة ، فصار ذلك سببا لتشويش الخواطر ، وذلك مخل بالخضوع والخشوع ، فهذا يناسب [ ص: 88 ] الصرف عن تلك القبلة .
ورابعها : أن الكعبة منشأ محمد صلى الله عليه وسلم ، الكعبة يقتضي تعظيم محمد عليه الصلاة والسلام ، وذلك أمر مطلوب لأنه متى رسخ في قلبهم تعظيمه ، كان قبولهم لأوامره ونواهيه في الدين والشريعة أسرع وأسهل ، والمفضي إلى المطلوب مطلوب ، فكان تحويل القبلة مناسبا . فتعظيم
وخامسها : أن الله تعالى بين ذلك في قوله : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) [البقرة : 143] فأمرهم الله تعالى حين كانوا بمكة أن يتجهوا إلى بيت المقدس ليتميزوا عن المشركين ، فلما هاجروا إلى المدينة وبها اليهود ، أمروا بالتوجه إلى الكعبة ليتميزوا عن اليهود .
أما قوله : ( يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) فالهداية قد تقدم القول فيها ، قالت المعتزلة : إنما هي الدلالة الموصلة ، والمعنى أنه تعالى يدل على ما هو للعبادة أصلح ، والصراط المستقيم هو الذي يؤديهم إذا تمسكوا به إلى الجنة ، قال أصحابنا : هذه الهداية إما أن يكون المراد منها الدعوة أو الدلالة أو تحصيل العلم فيه ، والأولان باطلان ، لأنهما عامان لجميع المكلفين فوجب حمله على الوجه الثالث وذلك يقتضي بأن . الهداية والإضلال من الله تعالى