المسألة الخامسة : اعلم أن كل ما يلاقيك من مكروه ومحبوب ، فينقسم إلى موجود في الحال وإلى ما كان موجودا في الماضي وإلى ما سيوجد في المستقبل ، فإذا خطر ببالك موجود فيما مضى سمي ذكرا وتذكرا وإن كان موجودا في الحال : يسمى ذوقا ووجدا ، وإنما سمي وجدا لأنها حالة تجدها من نفسك وإن كان قد خطر ببالك وجود شيء في الاستقبال وغلب ذلك على قلبك ، سمي انتظارا وتوقعا ، فإن كان المنتظر مكروها
[ ص: 137 ] حصل منه ألم في القلب يسمى خوفا وإشفاقا ، وإن كان محبوبا سمي ذلك ارتياحا ، والارتياح رجاء ،
nindex.php?page=treesubj&link=19979فالخوف هو تأمل القلب لانتظار ما هو مكروه عنده ،
nindex.php?page=treesubj&link=20000والرجاء هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب عنده ، وأما الجوع فالمراد منه القحط وتعذر تحصيل القوت : قال
القفال - رحمه الله - : أما الخوف الشديد فقد حصل لهم عند مكاشفتهم العرب بسبب الدين ، فكانوا لا يأمنون قصدهم إياهم واجتماعهم عليهم ، وقد كان من الخوف في وقعة الأحزاب ما كان ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=11هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) [ الأحزاب : 11 ] وأما الجوع فقد أصابهم في أول مهاجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى
المدينة لقلة أموالهم ، حتى أنه - عليه السلام - كان يشد الحجر على بطنه ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=2737أبو الهيثم بن التيهان nindex.php?page=hadith&LINKID=16011686أنه - عليه السلام - لما خرج التقى مع أبي بكر قال : ما أخرجك ؟ قال : الجوع ، قال : أخرجني ما أخرجك : وأما
nindex.php?page=treesubj&link=27390_19595النقص في الأموال والأنفس فقد يحصل ذلك عند محاربة العدو بأن ينفق الإنسان ماله في الاستعداد للجهاد وقد يقتل ، فهناك يحصل النقص في المال والنفس ، وقال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم ) [ التوبة : 41 ] وقد يحصل الجوع في سفر الجهاد عند فناء الزاد ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ) [ التوبة : 120 ] وقد يكون النقص في النفس بموت بعض الإخوان والأقارب على ما هو التأويل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29ولا تقتلوا أنفسكم ) [ النساء : 29 ] وأما نقص الثمرات فقد يكون بالجدب وقد يكون بترك عمارة الضياع للاشتغال بجهاد الأعداء ، وقد يكون ذلك بالإنفاق على من كان يرد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوفود ، هذا آخر كلام
القفال - رحمه الله - ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه -: الخوف : خوف الله ، والجوع : صيام شهر رمضان ، والنقص من الأموال : الزكوات والصدقات ، ومن الأنفس : الأمراض ، ومن الثمرات : موت الأولاد .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا يُلَاقِيكَ مِنْ مَكْرُوهٍ وَمَحْبُوبٍ ، فَيَنْقَسِمُ إِلَى مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ وَإِلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْمَاضِي وَإِلَى مَا سَيُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، فَإِذَا خَطَرَ بِبَالِكَ مَوْجُودٌ فِيمَا مَضَى سُمِّيَ ذِكْرًا وَتَذَكُّرًا وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْحَالِ : يُسَمَّى ذَوْقًا وَوَجْدًا ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ وَجْدًا لِأَنَّهَا حَالَةٌ تَجِدُهَا مِنْ نَفْسِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَطَرَ بِبَالِكَ وُجُودُ شَيْءٍ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَغَلَبَ ذَلِكَ عَلَى قَلْبِكَ ، سُمِّيَ انْتِظَارًا وَتَوَقُّعًا ، فَإِنْ كَانَ الْمُنْتَظَرُ مَكْرُوهًا
[ ص: 137 ] حَصَلَ مِنْهُ أَلَمٌ فِي الْقَلْبِ يُسَمَّى خَوْفًا وَإِشْفَاقًا ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوبًا سُمِّيَ ذَلِكَ ارْتِيَاحًا ، وَالِارْتِيَاحُ رَجَاءٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19979فَالْخَوْفُ هُوَ تَأَمُّلُ الْقَلْبِ لِانْتِظَارِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=20000وَالرَّجَاءُ هُوَ ارْتِيَاحُ الْقَلْبِ لِانْتِظَارِ مَا هُوَ مَحْبُوبٌ عِنْدَهُ ، وَأَمَّا الْجُوعُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْقَحْطُ وَتَعَذُّرُ تَحْصِيلِ الْقُوتِ : قَالَ
الْقَفَّالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : أَمَّا الْخَوْفُ الشَّدِيدُ فَقَدْ حَصَلَ لَهُمْ عِنْدَ مُكَاشَفَتِهِمُ الْعَرَبَ بِسَبَبِ الدِّينِ ، فَكَانُوا لَا يَأْمَنُونَ قَصْدَهُمْ إِيَّاهُمْ وَاجْتِمَاعَهُمْ عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ كَانَ مِنَ الْخَوْفِ فِي وَقْعَةِ الْأَحْزَابِ مَا كَانَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=11هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ) [ الْأَحْزَابِ : 11 ] وَأَمَّا الْجُوعُ فَقَدْ أَصَابَهُمْ فِي أَوَّلِ مُهَاجَرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى
الْمَدِينَةِ لِقِلَّةِ أَمْوَالِهِمْ ، حَتَّى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=2737أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَيِّهَانِ nindex.php?page=hadith&LINKID=16011686أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا خَرَجَ الْتَقَى مَعَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ : مَا أَخْرَجَكَ ؟ قَالَ : الْجُوعُ ، قَالَ : أَخْرَجَنِي مَا أَخْرَجَكَ : وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=27390_19595النَّقْصُ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ فَقَدْ يَحْصُلُ ذَلِكَ عِنْدَ مُحَارَبَةِ الْعَدُوِّ بِأَنْ يُنْفِقَ الْإِنْسَانُ مَالَهُ فِي الِاسْتِعْدَادِ لِلْجِهَادِ وَقَدْ يُقْتَلُ ، فَهُنَاكَ يَحْصُلُ النَّقْصُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ) [ التَّوْبَةِ : 41 ] وَقَدْ يَحْصُلُ الْجُوعُ فِي سَفَرِ الْجِهَادِ عِنْدَ فَنَاءِ الزَّادِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) [ التَّوْبَةِ : 120 ] وَقَدْ يَكُونُ النَّقْصُ فِي النَّفْسِ بِمَوْتِ بَعْضِ الْإِخْوَانِ وَالْأَقَارِبِ عَلَى مَا هُوَ التَّأْوِيلُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) [ النِّسَاءِ : 29 ] وَأَمَّا نَقْصُ الثَّمَرَاتِ فَقَدْ يَكُونُ بِالْجَدْبِ وَقَدْ يَكُونُ بِتَرْكِ عِمَارَةِ الضِّيَاعِ لِلِاشْتِغَالِ بِجِهَادِ الْأَعْدَاءِ ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ كَانَ يَرِدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْوُفُودِ ، هَذَا آخِرُ كَلَامِ
الْقَفَّالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْخَوْفُ : خَوْفُ اللَّهِ ، وَالْجُوعُ : صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَالنَّقْصُ مِنَ الْأَمْوَالِ : الزَّكَوَاتُ وَالصَّدَقَاتُ ، وَمِنَ الْأَنْفُسِ : الْأَمْرَاضُ ، وَمِنَ الثَّمَرَاتِ : مَوْتُ الْأَوْلَادِ .