أما قوله تعالى : ( ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن في قراءة هذه الآية أبحاثا :
البحث الأول : قرأ نافع : ( ولو ترى ) بالتاء المنقوطة من فوق خطابا للنبي عليه السلام ، كأنه قال : لو ترى يا وابن عمر محمد الذين ظلموا ، والباقون بالياء المنقوطة من تحت على الإخبار عمن جرى ذكرهم ، كأنه قال : ولو يرى الذين ظلموا أنفسهم باتخاذ الأنداد ، ثم قال بعضهم : هذه القراءة أولى ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين قد علموا قدر ما يشاهده الكفار ، ويعاينون من العذاب يوم القيامة ، أما المتوعدون في هذه الآية فهم الذين لم يعلموا ذلك ، فوجب إسناد الفعل إليهم .
البحث الثاني : اختلفوا في ( يرون ) فقرأ ابن عامر : ( يرون ) بضم الياء على التعدية ، وحجته قوله تعالى : ( كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ) [البقرة : 167] والباقون ( يرون ) بالفتح على إضافة الرؤية إليهم .
البحث الثاني : اختلفوا في ( أن ) فقرأ بعض القراء ( إن ) بكسر الألف على الاستئناف ، وأما القراء السبع فعلى فتح الألف فيها .
البحث الرابع : لما عرفت أن ( يرى الذين ظلموا ) قرئ تارة بالتاء المنقوطة من فوق وأخرى بالياء المنقوطة من تحت ، وقوله : ( أن القوة ) قرئ تارة بفتح الهمزة من ( أن ) وأخرى بكسرها حصل ههنا أربع احتمالات :
الاحتمال الأول : أن يقرأ ( ولو يرى ) بالياء المنقوطة من تحت مع فتح الهمزة من ( أن ) والوجه فيه أنهم أعملوا يرون في القوة ، والتقدير : ولو يرون أن القوة لله ، ومعناه : ولو يرى الذين ظلموا شدة عذاب الله وقوته لما اتخذوا من دونه أندادا ، فعلى هذا جواب ( لو ) محذوف ، وهو كثير في التنزيل كقوله : ( ولو ترى إذ وقفوا على النار ) [ الأنعام : 27 ] ، ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت ) [ الأنعام : 93 ] ، ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) [ الرعد : 31 ] ويقولون : لو رأيت فلانا والسياط تأخذ منه ، قالوا : وهذا الحذف أفخم وأعظم ؛ لأن على هذا التقدير يذهب خاطر المخاطب إلى كل ضرب من الوعيد فيكون الخوف على هذا التقدير مما إذا كان عين له ذلك الوعيد .
الاحتمال الثاني : أن يقرأ بالياء المنقوطة من تحت مع كسر الهمزة من ( إن ) والتقدير : ولو يرى الذين ظلموا عجزهم حال مشاهدتهم عذاب الله لقالوا : إن القوة لله .
الاحتمال الثالث : أن تقرأ بالتاء المنقوطة من فوق ، مع فتح الهمزة من ( أن ) وهي قراءة نافع وابن [ ص: 189 ] عامر ، قال الفراء : الوجه فيه تكرير الرؤية ، والتقدير فيه : ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب ترى أن القوة لله جميعا .
الاحتمال الرابع : أن يقرأ بالتاء المنقوطة من فوق ، مع كسر الهمزة ، وتقديره : ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لقلت : إن القوة لله جميعا ، وهذا أيضا تأويل ظاهر جيد .
المسألة الثانية : إن قيل : كيف جاء قوله : ( ولو يرى الذين ظلموا ) وهو مستقبل مع قوله : ( إذ يرون العذاب ) و ( إذ ) للماضي ؟ قلنا : إنما جاء على لفظ المضي ؛ لأن وقوع الساعة قريب ، قال تعالى : ( وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ) [ النحل : 77 ] وقال : ( لعل الساعة قريب ) [ الشورى : 17 ] وكل ما كان قريب الوقوع فإنه يجري مجرى ما وقع وحصل ، وعلى هذا التأويل قال تعالى : ( ونادى أصحاب الجنة ) [ الأعراف : 44 ] وقول المقيم : قد قامت الصلاة ، يقول ذلك قبل إيقاعه التحريم للصلاة لقرب ذلك ، وقد جاء كثير في التنزيل من هذا الباب ، قال تعالى : ( ولو ترى إذ وقفوا ) [ الأنعام : 27 ] ، ( ولو ترى إذ الظالمون ) [ الأنعام : 93 ] ، ( ولو ترى إذ فزعوا ) [ سبأ : 51 ] ، ( ولو ترى إذ يتوفى ) [ الأنفال : 50 ] .