أحدها : أن يحصل صورة ومعنى ، كقولك : ضرب غلامه زيدا . والمشهور أنه لا يجوز ؛ لأنك رفعت غلامه بضرب ، فكان واقعا موقعه ، والشيء إذا وقع موقعه لم تجز إزالته عنه ، وإذا كان كذلك كانت الهاء في قولك : غلامه ضميرا قبل الذكر ، وأما قول النابغة :
جزى ربه عني عدي بن حاتم جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
فجوابه : أن الهاء عائدة إلى مذكور متقدم ، وقال : وأنا أجيز أن تكون الهاء في قوله : ربه عائدة على ابن جني عدي خلافا للجماعة ، ثم ذكر كلاما طويلا غير ملخص ، وأقول : الأولى في تقريره أن يقال : الفعل من حيث إنه فعل كان غنيا عن المفعول ، لكن الفعل المتعدي لا يستغني عن المفعول ، وذلك لأن الفاعل هو المؤثر ، والمفعول هو القابل ، والفعل مفتقر إليهما ، ولا تقدم لأحدهما على الآخر ، أقصى ما في الباب أن يقال : إن الفاعل مؤثر ، والمؤثر أشرف من القابل ، فالفاعل متقدم على المفعول من هذا الوجه : لأنا بينا أن الفعل المتعدي مفتقر إلى المؤثر وإلى القابل معا ، وإذا ثبت هذا فكما جاز تقديم الفاعل على المفعول وجب أيضا جواز تقديم المفعول على الفاعل .
القسم الثاني : وهو أن يتقدم المفعول على الفاعل في الصورة لا في المعنى : وهو كقولك : ضرب غلامه زيد : فغلامه مفعول ، وزيد فاعل ، ومرتبة المفعول بعد مرتبة الفاعل ، إلا أنه وإن تقدم في اللفظ لكنه متأخر في المعنى .
والقسم الثالث : وهو أن يقع في المعنى لا في الصورة كقوله تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) [ البقرة : 124 ] فههنا الإضمار قبل الذكر غير حاصل في الصورة ، لكنه حاصل في المعنى : لأن الفاعل مقدم في المعنى ومتى صرح بتقديمه لزم الإضمار قبل الذكر .