من الأحكام المذكورة في هذه السورة الاعتكاف 
قوله تعالى : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد    ) . 
اعلم أنه تعالى لما بين الصوم ، وبين أن من حكمه تحريم المباشرة ، كان يجوز أن يظن في   [ ص: 97 ] الاعتكاف أن حاله كحال الصوم في أن الجماع يحرم فيه نهارا لا ليلا ، فبين تعالى تحريم المباشرة فيه نهارا وليلا ، فقال : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد    ) ثم في الآية مسائل : 
المسألة الأولى : قال  الشافعي    - رضي الله عنه : الاعتكاف اللغوي  ملازمة المرء للشيء وحبس نفسه عليه ، برا كان أو إثما ، قال تعالى : ( يعكفون على أصنام لهم    ) [ الأعراف : 138 ] ، والاعتكاف الشرعي    : المكث في بيت الله تقربا إليه ، وحاصله راجع إلى تقييد اسم الجنس بالنوع بسبب العرف ، وهو من الشرائع القديمة ، قال الله تعالى : ( طهرا بيتي للطائفين والعاكفين    ) [ البقرة : 125 ] ، وقال تعالى : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد    ) . 
المسألة الثانية : لو لمس الرجل المرأة بغير شهوة  جاز ، لأن  عائشة    - رضي الله عنها - كانت ترجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو معتكف ، أما إذا لمسها بشهوة ، أو قبلها ، أو باشرها فيما دون الفرج  ، فهو حرام على المعتكف ، وهل يبطل بها اعتكافه ؟  للشافعي    - رحمه الله - فيه قولان : الأصح أنه يبطل ، وقال  أبو حنيفة    : لا يفسد الاعتكاف إذا لم ينزل . 
احتج من قال بالإفساد أن الأصل في لفظ المباشرة ملاقاة البشرتين ، فقوله : ( ولا تباشروهن    ) منع من هذه الحقيقة ، فيدخل فيه الجماع وسائر هذه الأمور ، لأن مسمى المباشرة حاصل في كلها . 
فإن قيل : لم حملتم المباشرة في الآية المتقدمة على الجماع ؟ 
قلنا : لأن ما قبل الآية يدل على أنه هو الجماع ، وهو قوله : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث    ) ، وسبب نزول تلك الآية يدل على أنه هو الجماع ، ثم لما أذن في الجماع كان ذلك إذنا فيما دون الجماع بطريق الأولى ، أما ههنا فلم يوجد شيء من هذه القرائن ، فوجب إبقاء لفظ المباشرة على موضعه الأصلي ، وحجة من قال : إنها لا تبطل الاعتكاف ، أجمعنا على أن هذه المباشرة لا تفسد الصوم والحج ، فوجب أن لا تفسد الاعتكاف ؛ لأن الاعتكاف ليس أعلى درجة منهما ، والجواب : أن النص مقدم على القياس . 
				
						
						
