من الأحكام المذكورة في هذه السورة : حكم الأموال
( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون )
قوله تعالى : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون )
[ ص: 100 ] اعلم أنهم مثلوا قوله تعالى : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم ) بقوله : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) [ الحجرات : 11 ] وهذا مخالف لها ، لأن أكله لمال نفسه بالباطل يصح كما يصح أكله مال غيره ، قال الشيخ في كتاب الإحياء : أبو حامد الغزالي . المال إنما يحرم لمعنى في عينه أو لحال في جهة اكتسابه
والقسم الأول : . الحرام لصفة في عينه
واعلم أن ، أما الأموال إما أن تكون من المعادن أو من النبات ، أو من الحيوانات ، وهو ما يجري مجرى السم ، وأما المعادن وهي أجزاء الأرض فلا يحرم شيء منه إلا من حيث يضر بالأكل أو العقل ، فمزيل الحياة السموم ، ومزيل الصحة الأدوية في غير وقتها ، ومزيل العقل الخمر والبنج وسائر المسكرات . النبات فلا يحرم منه إلا ما يزيل الحياة والصحة
وأما ، وما يحل إنما يحل إذا ذبح ذبحا شرعيا ثم إذا ذبحت فلا تحل بجميع أجزائها ، بل يحرم منها الفرث والدم ، وكل ذلك مذكور في كتب الفقه . الحيوانات فتنقسم إلى ما يؤكل وإلى ما لا يؤكل
القسم الثاني : ما يحرم لخلل من جهة إثبات اليد عليه ، فنقول : أخذ المال إما أن يكون باختيار المتملك ، أو بغير اختياره كالإرث ، والذي باختياره إما أن يكون مأخوذا من غير المالك كأخذ المعادن ، وإما أن يكون مأخوذا من مالك ، وذلك إما أن يؤخذ قهرا أو بالتراضي ، والمأخوذ قهرا إما أن يؤخذ لسقوط عصمة الملك كالغنائم ، أو لاستحقاق الأخذ كزكوات الممتنعين والنفقات الواجبة عليهم ، والمأخوذ تراضيا إما أن يؤخذ بعوض كالبيع والصداق والأجرة ، وإما أن يؤخذ بغير عوض كالهبة والوصية فيحصل من هذا التقسيم أقسام ستة :
الأول : كنيل المعادن ، وإحياء الموت ، والاصطياد ، والاحتطاب ، والاستقاء من الأنهار ، والاحتشاش ، فهذا حلال بشرط أن لا يكون المأخوذ مختصا بذي حرمة من الآدميين . ما يؤخذ من غير مالك
الثاني : ، وهو الفيء ، والغنيمة ، وسائر أموال الكفار المحاربين ، وذلك حلال للمسلمين إذا أخرجوا منه الخمس ، وقسموه بين المستحقين بالعدل ، ولم يأخذوه من كافر له حرمة وأمان وعهد . المأخوذ قهرا ممن لا حرمة له
والثالث : ، وذلك حلال إذا تم سبب الاستحقاق ، وتم وصف المستحق واقتصر على القدر المستحق . ما يؤخذ قهرا باستحقاق عند امتناع من عليه فيؤخذ دون رضاه
الرابع : وذلك حلال إذا روعي شرط العوضين وشرط العاقدين وشرط اللفظين ؛ أعني الإيجاب والقبول مما يعتد الشرع به من اجتناب الشرط المفسد . ما يؤخذ تراضيا بمعاوضة
الخامس : كما في الهبة والوصية والصدقة إذا روعي شرط المعقود عليه ، وشرط العاقدين ، وشرط العقد ، ولم يؤد إلى ضرر بوارث أو غيره . ما يؤخذ بالرضا من غير عوض
السادس : كالميراث ، وهو حلال إذا كان الموروث قد اكتسب المال من بعض الجهات الخمس على وجه حلال ، ثم كان ذلك بعد قضاء الدين ، وتنفيذ الوصايا ، وتعديل القسمة بين الورثة ، وإخراج الزكاة والحج والكفارة إن كانت واجبة ، فهذا مجامع مداخل الحلال ، وكتب الفقه مشتملة على تفاصيلها فكل ما كان كذلك كان مالا حلالا ، وكل ما كان بخلافه كان حراما ، إذا عرفت هذا فنقول : المال إما أن يكون لغيره أو له ، فإن كان لغيره كانت حرمته لأجل الوجوه الستة المذكورة ، وإن كان له فأكله بالحرام أن يصرف إلى شرب الخمر والزنا واللواط والقمار أو إلى السرف المحرم ، وكل هذه الأقسام داخلة تحت قوله : ( ما يحصل بغير اختياره ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) ، واعلم أنه سبحانه كرر هذا النهي في مواضع من كتابه [ ص: 101 ] فقال : ( ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة ) [ النساء : 29 ] وقال : ( الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) [ النساء : 10 ] وقال : ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) [ البقرة : 278 ] ثم قال : ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) [ البقرة : 279 ] ثم قال : ( وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم ) [ البقرة : 279 ] ثم قال : ( ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ البقرة : 275 ] جعل في أول الأمر مؤذنا بمحاربة الله ، وفي آخره متعرضا للنار . آكل الربا
المسألة الثانية : قوله : ( ولا تأكلوا ) ليس المراد منه الأكل خاصة ، لأن غير الأكل من التصرفات كالأكل في هذا الباب لكنه لما كان المقصود الأعظم من المال إنما هو الأكل وقع التعارف فيمن ينفق ماله أن يقال إنه أكله فلهذا السبب عبر الله تعالى عنه بالأكل .
المسألة الثالثة : " الزائل الذاهب ، يقال : بطل الشيء بطولا فهو باطل ، وجمع الباطل بواطل ، وأباطيل جمع أبطولة ، ويقال : بطل الأجير يبطل بطالة إذا تعطل واتبع اللهو . الباطل " في اللغة