المسألة الثانية : اعلم أنه سبحانه وتعالى جعل الزمان مقدرا من أربعة أوجه : السنة والشهر واليوم والساعة ، أما السنة فهي عبارة عن الزمان الحاصل من حركة الشمس من نقطة معينة من الفلك بحركتها الحاصلة عن خلاف حركة الفلك إلى أن تعود إلى تلك النقطة بعينها ، إلا أن القوم اصطلحوا على أن تلك النقطة نقطة الاعتدال الربيعي وهو أول الحمل ، وأما الشهر فهو عبارة عن حركة القمر من نقطة معينة من فلكه الخاص به إلى أن يعود إلى تلك النقطة ، ولما كان أشهر أحوال القمر وضعه مع الشمس ، وأشهر أوضاعه من الشمس هو الهلال العربي ، مع أن القمر في هذا الوقت يشبه الموجود بعد العدم والمولود الخارج من الظلم لا جرم جعلوا هذا الوقت منتهى للشهر ، وأما اليوم بليلته فهو عبارة عن مفارقة نقطة من دائرة معدل النهار نقطة من دائرة الأفق ، أو نقطة من دائرة نصف النهار وعودها إليها ، فالزمان المقدر عبارة عن اليوم بليلته ، ثم إن المنجمين اصطلحوا على تعيين دائرة نصف النهار مبتدأ اليوم بليلته ، أما أكثر الأمم فإنهم جعلوا مبادئ الأيام بلياليها من مفارقة الشمس أفق المشرق وعودها إليه من الغداة ، واحتج من نصر مذهبهم بأن الشمس عند طلوعها كالموجود بعد العدم فجعله أولا أولى ، فزمان النهار عبارة عن مدة كون الشمس فوق الأرض ، وزمان الليل عبارة عن كونها تحت الأرض ، وفي شريعة الإسلام يفتتحون النهار من أول وقت [ ص: 104 ] طلوع الفجر في وجوب الصلاة والصوم وغيرهما من الأحكام ، وعند المنجمين مدة الصوم في الشرع هي زمان النهار كله مع زيادة من زمان الليل معلومة المقدار محدودة المبدأ ، وأما الساعة فهي على قسمين : مستوية جزء من أربعة وعشرين من يوم وليلة ، فهذا كلام مختصر في . تعريف السنة والشهر واليوم والساعة
فنقول : أما ، وذلك لأن الشمس إذا حصلت في الحمل فإذا تركت من هذا الموضع إلى جانب الشمال ، أخذ الهواء في جانب الشمال شيئا من السخونة لقربها من مسامتة الرؤوس ، ويتواتر الإسخان إلى أن تصل أول السرطان ، وتشتد الحرارة ويزداد الحر ما دامت في السرطان والأسد لقربها من سمت الرؤوس ، ويتواتر الإسخان ، ثم ينعكس إلى أن يصل الميزان ؛ وحينئذ يطيب الهواء ويعتدل ، ثم يأخذ الحر في النقصان والبرد في الزيادة ، ولا يزال يزداد البرد إلى أن تصل الشمس إلى أول الجدي ، ويشتد البرد حينئذ لبعدها عن سمت الرؤوس ، ويتواتر البرد ، ثم إن الشمس تأخذ في الصعود إلى ناحية الشمال ، وما دامت في الجدي والدلو ، فالبرد أشد ما يكون إلى أن تنتهي إلى الحمل ، فحينئذ يطيب الهواء ويعتدل ، وعادت الشمس إلى مبدأ حركتها وانتهى زمان السنة نهايته ، وحصلت الفصول الأربعة التي هي الربيع والصيف والخريف والشتاء ، ومنافع الفصول الأربعة وتعاقبها ظاهرة مشهورة في الكتب . السنة فهي عبارة عن دورة الشمس فتحدث بسببها الفصول الأربعة
وأما ، وزعموا أن نوره مستفاد من الشمس وأبدا يكون أحد نصفيه مضيئا بالتمام إلا أنه عند الاجتماع يكون النصف المضيء هو النصف الفوقاني فلا جرم نحن لا نرى من نوره شيئا وعند الاستقبال يكون نصفه المضيء مواجها لنا فلا جرم نراه مستنيرا بالتمام ، وكلما كان القمر أقرب إلى الشمس ، كان المرئي من نصفه المضيء أقل وكلما كان أبعد كان المرئي من نصفه المضيء أكثر ، ثم إنه من وقت الاجتماع إلى وقت الانفصال يكون كل ليلة أبعد من الشمس ، ويرى كل ليلة ضوءه أكثر من وقت الاستقبال إلى وقت الاجتماع ، ويكون كل ليلة أقرب إلى الشمس ، فلا جرم يرى كل ليلة ضوؤه أقل ، ولا يزال يقل ويقل : ( الشهر فهو عبارة عن دورة القمر في فلكه الخاص حتى عاد كالعرجون القديم ) [ يس : 39 ] فهذا ما قاله أصحاب الطبائع والنجوم .
وأما الذي يقوله الأصوليون فهو أن القمر جسم ، والأجسام كلها متساوية في الجسمية ، والأشياء المتساوية في تمام الماهية يمتنع اختلافها في اللوازم ، وهذه مقدمة يقينية ، فإذن حصول الضوء في جرم الشمس والقمر أمر جائز أن يحصل ، وما كان كذلك امتنع رجحان وجوده على عدمه إلا بسبب الفاعل المختار ، وكل ما كان فعلا لفاعل مختار ، فإن ذلك يكون قادرا على إيجاده وعلى إعدامه ، وعلى هذا التقدير إلى إسناد هذه الاختلافات الحاصلة في نور القمر إلى قربها وبعدها من الشمس ، بل عندنا أن حصول النور في جرم الشمس إنما كان بسبب إيجاد القادر المختار ، وكذا الذي في جرم القمر .