المسألة الرابعة : في تفسير الإتمام في قوله : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ، وفيه وجوه .
أحدها : روي عن علي أن إتمامهما أن يحرم من دويرة أهله . وابن مسعود
وثانيها : قال أبو مسلم : المعنى أن من نوى الحج والعمرة لله وجب عليه الإتمام ، قال : ويدل على صحة هذا التأويل أن هذه الآية إنما نزلت بعد أن منع الكفار النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنة الماضية عن الحج والعمرة ، فالله تعالى أمر رسوله في هذه الآية أن لا يرجع [ ص: 123 ] حتى يتم هذا الفرض ، ويحصل من هذا التأويل فائدة فقهية ، وهي أن تطوع الحج والعمرة كفرضيهما في وجوب الإتمام .
وثالثها : قال الأصم : إن الله تعالى فرض الحج والعمرة ثم أمر عباده أن يتموا الآداب المعتبرة ، وذكر الشيخ الإمام - رحمه الله - في كتاب الإحياء ما يتعلق بهذا الباب ، فقال : أبو حامد الغزالي ثمانية : الأمور المعتبرة قبل الخروج إلى الإحرام
الأول : في المال فينبغي أن يبدأ بالتوبة ، ورد المظالم ، وقضاء الديون ، وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع ، ويرد ما عنده من الودائع ، ويستصحب من المال الطيب الحلال ما يكفيه لذهابه وإيابه من غير تقتير ، بل على وجه يمكنه من التوسع في الزاد والرفق بالفقراء ، ويتصدق بشيء قبل خروجه ، ويشتري لنفسه دابة قوية على الحمل أو يكتريها ، فإن اكتراها فليظهر للمكاري كل ما يحصل رضاه فيه .
الثاني : في الرفيق فينبغي أن يلتمس رفيقا صالحا محبا للخير ، معينا عليه إن نسي ذكره ، وإن ذكر ساعده ، وإن جبن شجعه ، وإن عجز قواه وإن ضاق صدره صبره ، وأما الإخوان والرفقاء المقيمون فيودعهم ، ويلتمس أدعيتهم ، فإن الله تعالى جعل في دعائهم خيرا ، والسنة في الوداع أن يقول : أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك .
الثالث : في الخروج من الدار ، فإذا هم بالخروج صلى ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة ( قل ياأيها الكافرون ) [ الكافرون : 1 ] ، وفي الثانية " الإخلاص " وبعد الفراغ يتضرع إلى الله بالإخلاص .
الرابع : إذا حصل على باب الدار قال : بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله ، وكلما كانت الدعوات أزيد كانت أولى .
الخامس : في الركوب ، فإذا ركب الراحلة قال : بسم الله وبالله والله أكبر ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، سبحان الله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون .
السادس : في النزول ، والسنة أن يكون أكثر سيره بالليل ، ولا ينزل حتى يحمى النهار ، وإذا نزل صلى ركعتين ودعا الله كثيرا .
السابع : إن قصده عدو أو سبع في ليل أو نهار ، فليقرأ آية الكرسي ، وشهد الله ، والإخلاص ، والمعوذتين ، ويقول : تحصنت بالله العظيم ، واستعنت بالحي الذي لا يموت .
الثامن : مهما علا شرفا من الأرض في الطريق ، فيستحب أن يكبر ثلاثا .
التاسع : أن لا يكون هذا السفر مشوبا بشيء من أثر الأغراض العاجلة كالتجارة وغيرها .
العاشر : أن يصون الإنسان لسانه عن الرفث والفسوق والجدال ، ثم بعد الإتيان بهذه المقدمات ، يأتي بجميع أركان الحج على الوجه الأصح الأقرب إلى موافقة الكتاب والسنة ، ويكون غرضه في كل هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله تعالى ، فقوله : ( وأتموا الحج والعمرة ) كلمة شاملة جامعة لهذه المعاني ، فإذا أتى العبد بالحج على هذا الوجه كان متبعا ملة إبراهيم ؛ حيث قال تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) [ البقرة : 124 ] .
الوجه الرابع : في تفسير قوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) أن المراد : أفردوا كل واحد منهما بسفر ، وهذا تأويل من قال بالإفراد ، وقد بيناه بالدليل ، وهذا التأويل يروى عن رضي الله عنه ، وقد يروى مرفوعا عن علي بن أبي طالب ، وكان أبي هريرة عمر يترك القران والتمتع ، ويذكر أن ذلك أتم للحج والعمرة وأن يعتمر في غير شهور الحج ، فإن الله تعالى يقول : ( الحج أشهر معلومات ) [ البقرة : 197 ] وروى نافع عن ابن عمر أنه قال : فرقوا بين حجكم وعمرتكم .