المسألة الثانية : اعلم أن في هذه الآية حذفا ، والتقدير : فمن ألزم نفسه فيهن الحج ، والمراد بهذا الفرض ما به يصير المحرم محرما ، إذ لا خلاف أنه لا يصير حاجا إلا بفعل يفعله ، فيخرج عن أن يكون حلالا ، ويحرم عليه الصيد واللبس والطيب والنساء والتغطية للرأس إلى غير ذلك ، ولأجل تحريم هذه الأمور عليه سمي محرما ؛ لأنه فعل ما حرم به هذه الأشياء على نفسه ، ولهذا السبب أيضا سميت البقعة حرما ؛ لأنه يحرم ما يكون فيها مما لولاه كان لا يحرم ، فقوله تعالى : ( فمن فرض فيهن الحج    ) يدل على أنه لا بد للمحرم من فعل يفعله لأجله يصير حاجا ومحرما  ، ثم اختلف الفقهاء في أن ذلك الفعل ما هو ؟ قال  الشافعي  رضي الله عنه : إنه ينعقد الإحرام بمجرد النية من غير حاجة إلى التلبية . وقال  أبو حنيفة  رضي الله عنه : لا يصح الشروع في الإحرام بمجرد النية  حتى ينضم إليها التلبية أو سوق الهدي ، قال القفال  رحمه الله في "تفسيره" : يروى عن جماعة أن من أشعر هديه أو قلده فقد أحرم ، وروى نافع  عن ابن عمر  أنه قال : إذا قلد أو أشعر فقد أحرم ، وعن  ابن عباس    : إذا قلد الهدي وصاحبه يريد العمرة والحج فقد أحرم   . حجة  الشافعي  رضي الله عنه وجوه : 
الحجة الأولى : قوله تعالى : ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج    ) وفرض الحج لا يمكن أن يكون عبارة عن التلبية أو سوق الهدي فإنه لا إشعار ألبتة في التلبية بكونه محرما لا بحقيقة ولا بمجاز ، فلم يبق إلا أن يكون فرض الحج عبارة عن النية ، وفرض الحج موجب لانعقاد الحج ، بدليل قوله تعالى : ( فلا رفث    ) فوجب أن تكون النية كافية في انعقاد الحج . 
الحجة الثانية : ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام : وإنما لكل امرئ ما نوى   . 
الحجة الثالثة : القياس ؛ وهو أن ابتداء الحج كف عن المحظورات ، فيصح الشروع فيه بالنية كالصوم . حجة  أبي حنيفة  رضي الله عنه وجهان : 
الأول : ما روى أبو منصور الماتريدي  في "تفسيره" عن  عائشة  رضي الله عنها أنها قالت : لا يحرم إلا من أهل أو لبى   . 
الثاني : أن الحج عبادة لها تحليل وتحريم فلا يشرع فيه إلا بنفس النية كالصلاة . 
				
						
						
