المسألة الثالثة : اتفقوا على أن التجارة إذا أوقعت نقصانا في الطاعة  لم تكن مباحة ، أما إن لم توقع نقصانا ألبتة فيها فهي من المباحات التي الأولى تركها ، لقوله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين    ) [البينة : 5] والإخلاص أن لا يكون له حامل على الفعل سوى كونه عبادة ، وقال عليه السلام حكاية عن الله تعالى : "أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه" والحاصل أن الإذن في هذه التجارة جار مجرى الرخص . 
وقوله تعالى : ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام    ) ؛ فيه مسائل : 
المسألة الأولى : الإفاضة الاندفاع في السير بكثرة  ، ومنه يقال : أفاض البعير بجرته ، إذا وقع بها فألقاها منبثة ، وكذلك أفاض الأقداح في الميسر ، معناه جمعها ثم ألقاها متفرقة ، وإفاضة الماء من هذا ؛ لأنه إذا صب تفرق ، والإفاضة في الحديث إنما هي الاندفاع فيه بإكثار وتصرف في وجوهه ، وعليه قوله تعالى : ( إذ تفيضون فيه    ) [يونس : 61] ومنه يقال للناس : فوض ، وأيضا جمعهم فوضى ، ويقال : أفاضت العين دمعها ، فأصل هذه الكلمة الدفع للشيء حتى يتفرق . فقوله تعالى : ( أفضتم    ) أي دفعتم بكثرة ، وأصله أفضتم أنفسكم ، فترك ذكر المفعول ، كما ترك في قولهم : دفعوا من موضع كذا وصبوا ، وفي حديث أبي بكر  رضي الله عنه : ونزل في وادي قيروان  وهو يخدش بعيره بمحجنه   . 
المسألة الثانية : ( عرفات    ) جمع عرفة  ، سميت بها بقعة واحدة ، كقولهم : ثوب أخلاق ، وبرمة أعشار ، وأرض سباسب ، والتقدير : كأن كل قطعة من تلك الأرض عرفة  فسمي مجموع تلك القطع بعرفات  ، فإن قيل : هلا منعت من الصرف ؛ وفيها السببان : التعريف والتأنيث! قلنا : هذه اللفظة في الأصل اسم لقطع كثيرة من الأرض ، كل واحدة منها مسماة بعرفة ، وعلى هذا التقدير لم يكن علما ، ثم جعلت علما لمجموع تلك القطع فتركوها بعد ذلك على أصلها في عدم الصرف . 
				
						
						
