المسألة الثالثة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200ربنا آتنا في الدنيا ) حذف مفعول "آتنا" من الكلام لأنه كالمعلوم ، واعلم أن مراتب السعادات ثلاث : روحانية ، وبدنية ، وخارجية . أما الروحانية فاثنان : تكميل القوة النظرية بالعلم ، وتكميل القوة العملية بالأخلاق الفاضلة ، وأما البدنية فاثنان : الصحة والجمال ، وأما الخارجية فاثنان : المال ، والجاه ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200آتنا في الدنيا ) يتناول كل هذه الأقسام فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29497_18472العلم إذا كان يراد للتزين به في الدنيا والترفع به على الأقران كان من الدنيا ، والأخلاق الفاضلة إذا كانت تراد للرياسة في الدنيا وضبط مصالحها كانت من الدنيا ، وكل من لا يؤمن بالبعث والمعاد فإنه لا يطلب فضيلة لا روحانية ولا جسمانية إلا لأجل الدنيا ، ثم قال تعالى في حق هذا الفريق : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200وما له في الآخرة من خلاق ) أي ليس له نصيب في نعيم الآخرة ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب ) [الشورى : 20] ثم إنه تعالى لم يذكر في هذه الآية أن الذي طلبه في الدنيا هل أجيب له أم لا ؟ قال بعضهم : إن مثل هذا الإنسان ليس بأهل للإجابة ؛ لأن كون الإنسان مجاب الدعوة صفة مدح ، فلا تثبت إلا لمن كان وليا لله تعالى مستحقا للكرامة ، لكنه لم يجب فإنه ما دام مكلفا حيا فالله تعالى يعطيه رزقه على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) [هود : 6] وقال آخرون : إن مثل هذا الإنسان قد يكون مجابا ، لكن تلك الإجابة قد تكون مكرا واستدراجا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا ) حُذِفَ مَفْعُولُ "آتِنَا" مِنَ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ كَالْمَعْلُومِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَرَاتِبَ السَّعَادَاتِ ثَلَاثٌ : رُوحَانِيَّةٌ ، وَبَدَنِيَّةٌ ، وَخَارِجِيَّةٌ . أَمَّا الرُّوحَانِيَّةُ فَاثْنَانِ : تَكْمِيلُ الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ بِالْعِلْمِ ، وَتَكْمِيلُ الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ ، وَأَمَّا الْبَدَنِيَّةُ فَاثْنَانِ : الصِّحَّةُ وَالْجَمَالُ ، وَأَمَّا الْخَارِجِيَّةُ فَاثْنَانِ : الْمَالُ ، وَالْجَاهُ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200آتِنَا فِي الدُّنْيَا ) يَتَنَاوَلُ كُلَّ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29497_18472الْعِلْمَ إِذَا كَانَ يُرَادُ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّرَفُّعِ بِهِ عَلَى الْأَقْرَانِ كَانَ مِنَ الدُّنْيَا ، وَالْأَخْلَاقُ الْفَاضِلَةُ إِذَا كَانَتْ تُرَادُ لِلرِّيَاسَةِ فِي الدُّنْيَا وَضَبْطِ مَصَالِحِهَا كَانَتْ مِنَ الدُّنْيَا ، وَكُلُّ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ وَالْمَعَادِ فَإِنَّهُ لَا يَطْلُبُ فَضِيلَةً لَا رُوحَانِيَّةً وَلَا جُسْمَانِيَّةً إِلَّا لِأَجْلِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ هَذَا الْفَرِيقِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ) أَيْ لَيْسَ لَهُ نَصِيبٌ فِي نَعِيمِ الْآخِرَةِ ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) [الشُّورَى : 20] ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الَّذِي طَلَبَهُ فِي الدُّنْيَا هَلْ أُجِيبُ لَهُ أَمْ لَا ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِنْسَانِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِجَابَةِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْإِنْسَانِ مُجَابَ الدَّعْوَةِ صِفَةُ مَدْحٍ ، فَلَا تَثْبُتُ إِلَّا لِمَنْ كَانَ وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى مُسْتَحِقًّا لِلْكَرَامَةِ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِبْ فَإِنَّهُ مَا دَامَ مُكَلَّفًا حَيًّا فَاللَّهُ تَعَالَى يُعْطِيهِ رِزْقَهُ عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) [هُودٍ : 6] وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِنْسَانِ قَدْ يَكُونُ مُجَابًا ، لَكِنَّ تِلْكَ الْإِجَابَةَ قَدْ تَكُونُ مَكْرًا وَاسْتِدْرَاجًا .