المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وهو كره لكم ) فيه إشكال ، وهو أن الظاهر من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216كتب عليكم ) أن هذا الخطاب مع المؤمنين ، والعقل يدل عليه أيضا; لأن الكافر لا يؤمر بقتال الكافر ، وإذا كان كذلك فكيف قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وهو كره لكم ) فإن هذا يشعر بكون المؤمن كارها لحكم الله وتكليفه ، وذلك غير جائز ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28801المؤمن لا يكون ساخطا لأوامر الله تعالى وتكاليفه ، بل يرضى بذلك ويحبه ويتمسك به ويعلم أنه صلاحه ، وفي تركه فساده .
والجواب من وجهين :
الأول : أن المراد من الكره ، كونه شاقا على النفس ، والمكلف وإن علم أن ما أمره الله به فهو صلاحه ، لكن لا يخرج بذلك عن كونه ثقيلا شاقا على النفس ; لأن التكليف عبارة عن إلزام ما في فعله كلفة ومشقة ، ومن المعلوم أن أعظم ما يميل إليه الطبع الحياة ، فلذلك
nindex.php?page=treesubj&link=7918_25875أشق الأشياء على النفس القتال .
الثاني : أن يكون المراد كراهتهم للقتال قبل أن يفرض لما فيه من الخوف ولكثرة الأعداء ، فبين الله تعالى أن
nindex.php?page=treesubj&link=25875_7862الذي تكرهونه من القتال خير لكم من تركه ; لئلا تكرهونه بعد أن فرض عليكم .
المسألة الثالثة : الكره بضم الكاف هو الكراهة ; بدليل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ) ثم فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون المعنى وضع المصدر موضع الوصف مبالغة كقول
الخنساء :
فإنما هي إقبال وإدبار
كأنه في نفسه كراهة لفرط كراهتهم له .
والثاني : أن يكون فعلا بمعنى مفعول ، كالخبر بمعنى المخبور أي وهو مكروه لكم . وقرأ
السلمي بالفتح وهما لغتان كالضعف والضعف ، ويجوز أن يكون بمعنى الإكراه على سبيل المجاز ، كأنهم أكرهوا عليه ؛ لشدة كراهتهم له ، ومشقته عليهم ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15حملته أمه كرها ووضعته كرها ) [الأحقاف : 15] والله أعلم . وقال بعضهم : الكره ، بالضم ما كرهته مما لم تكره عليه ، وإذا كان بالإكراه فبالفتح .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216عسى ) فعل درج مضارعه وبقي ماضيه فيقال منه : عسيتما وعسيتم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=22فهل عسيتم ) [محمد : 22] ويرتفع الاسم بعده كما يرتفع بعد الفعل فتقول : عسى زيد ، كما تقول : قام زيد ، ومعناه : قرب ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=72قل عسى أن يكون ردف لكم ) [النمل : 72] أي قرب ، فقولك : عسى زيد أن يقوم ، تقديره عسى قيام زيد أي قرب قيام زيد .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) فِيهِ إِشْكَالٌ ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216كُتِبَ عَلَيْكُمُ ) أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْعَقْلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا; لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَرُ بِقِتَالِ الْكَافِرِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) فَإِنَّ هَذَا يُشْعِرُ بِكَوْنِ الْمُؤْمِنِ كَارِهًا لِحُكْمِ اللَّهِ وَتَكْلِيفِهِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28801الْمُؤْمِنَ لَا يَكُونُ سَاخِطًا لِأَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكَالِيفِهِ ، بَلْ يَرْضَى بِذَلِكَ وَيُحِبُّهُ وَيَتَمَسَّكُ بِهِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ صَلَاحُهُ ، وَفِي تَرْكِهِ فَسَادُهُ .
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكُرْهِ ، كَوْنَهُ شَاقًّا عَلَى النَّفْسِ ، وَالْمُكَلَّفُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ صَلَاحُهُ ، لَكِنْ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ ثَقِيلًا شَاقًّا عَلَى النَّفْسِ ; لِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِبَارَةٌ عَنْ إِلْزَامِ مَا فِي فِعْلِهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنْ أَعْظَمَ مَا يَمِيلُ إِلَيْهِ الطَّبْعُ الْحَيَاةُ ، فَلِذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=7918_25875أَشَقُّ الْأَشْيَاءِ عَلَى النَّفْسِ الْقِتَالُ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَرَاهَتَهُمْ لِلْقِتَالِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَوْفِ وَلِكَثْرَةِ الْأَعْدَاءِ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25875_7862الَّذِي تَكْرَهُونَهُ مِنَ الْقِتَالِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ تَرْكِهِ ; لِئَلَّا تَكْرَهُونَهُ بَعْدَ أَنْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْكُرْهُ بِضَمِّ الْكَافِ هُوَ الْكَرَاهَةُ ; بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَضْعَ الْمَصْدَرِ مَوْضِعَ الْوَصْفِ مُبَالَغَةً كَقَوْلِ
الْخَنْسَاءِ :
فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ
كَأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ كَرَاهَةٌ لِفَرْطِ كَرَاهَتِهِمْ لَهُ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ فِعْلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ، كَالْخَبَرِ بِمَعْنَى الْمَخْبُورِ أَيْ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لَكُمْ . وَقَرَأَ
السُّلَمِيُّ بِالْفَتْحِ وَهُمَا لُغَتَانِ كَالضَّعْفِ وَالضَّعَفِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْإِكْرَاهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ ، كَأَنَّهُمْ أُكْرِهُوا عَلَيْهِ ؛ لِشِدَّةِ كَرَاهَتِهِمْ لَهُ ، وَمَشَقَّتِهِ عَلَيْهِمْ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ) [الْأَحْقَافِ : 15] وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْكُرْهُ ، بِالضَّمِّ مَا كَرِهْتَهُ مِمَّا لَمْ تُكْرَهْ عَلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ بِالْإِكْرَاهِ فَبِالْفَتْحِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216عَسَى ) فِعْلٌ دَرَجَ مُضَارِعُهُ وَبَقِيَ مَاضِيهِ فَيُقَالُ مِنْهُ : عَسَيْتُمَا وَعَسَيْتُمْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=22فَهَلْ عَسَيْتُمْ ) [مُحَمَّدٍ : 22] وَيَرْتَفِعُ الِاسْمُ بَعْدَهُ كَمَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ الْفِعْلِ فَتَقُولُ : عَسَى زَيْدٌ ، كَمَا تَقُولُ : قَامَ زَيْدٌ ، وَمَعْنَاهُ : قَرُبَ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=72قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ ) [النَّمْلِ : 72] أَيْ قَرُبَ ، فَقَوْلُكَ : عَسَى زَيْدٌ أَنْ يَقُومَ ، تَقْدِيرُهُ عَسَى قِيَامُ زَيْدٍ أَيْ قَرُبَ قِيَامُ زَيْدٍ .