أما قوله تعالى : ( قل قتال فيه كبير ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : ( قتال فيه ) مبتدأ و ( كبير ) خبره ، وقوله : ( قتال ) وإن كان نكرة إلا أنه تخصص بقوله : ( فيه ) ، فحسن جعله مبتدأ ، والمراد من قوله : ( كبير ) أي عظيم مستنكر كما يسمى الذنب العظيم كبيرة ، قال تعالى : ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم ) [الكهف : 5] .
فإن قيل : قتال فيه ) ومن حق النكرة إذا تكررت أن تجيء باللام حتى يكون المذكور الثاني هو الأول ؛ لأنه لو لم يكن كذلك كان المذكور الثاني غير الأول كما في قوله تعالى : ( لم نكر القتال في قوله تعالى : ( إن مع العسر يسرا ) [الشرح : 6] .
قلنا : نعم ما ذكرتم أن اللفظ إذا تكرر وكانا نكرتين كان المراد بالثاني إذن غير الأول ، والقوم أرادوا بقولهم : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ) ذلك القتال المعين الذي أقدم عليه عبد الله بن جحش ، فقال تعالى : ( قل قتال فيه كبير ) وفيه تنبيه على أن القتال الذي يكون كبيرا ليس هو هذا القتال الذي سألتم عنه ، بل هو قتال آخر ; لأن هذا القتال كان الغرض به نصرة الإسلام وإذلال الكفر ، فكيف يكون هذا من الكبائر ، إنما ، فكان اختيار التنكير في اللفظين لأجل هذه الدقيقة ، إلا أنه تعالى ما صرح بهذا الكلام ؛ لئلا تضيق قلوبهم ، بل أبهم الكلام بحيث يكون ظاهره كالموهم لما أرادوه ، وباطنه يكون موافقا للحق ، وهذا إنما حصل بأن ذكر هذين اللفظين على سبيل التنكير ، ولو أنه وقع التعبير عنهما أو عن أحدهما بلفظ التعريف لبطلت هذه الفائدة الجليلة ، فسبحان من له تحت كل كلمة من [ ص: 28 ] كلمات هذا الكتاب سر لطيف لا يهتدي إليه إلا أولو الألباب . القتال الكبير هو الذي يكون الغرض فيه هدم الإسلام وتقوية الكفر