المسألة الثانية : ليس هو إبطال نفس العمل ; لأن العمل شيء كلما وجد فني وزال ، وإعدام المعدوم محال ، ثم اختلف المتكلمون فيه ، فقال المثبتون للإحباط والتكفير : المراد منه أن عقاب الردة الحادثة يزيل ثواب الإيمان السابق ، إما بشرط الموازنة على ما هو مذهب المراد من إحباط العمل أبي هاشم وجمهور المتأخرين من المعتزلة أو لا بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي علي ، وقال المنكرون للإحباط بهذا المعنى : المراد من الإحباط الوارد في كتاب الله هو أن المرتد إذا أتى بالردة فتلك الردة عمل محبط ; لأن الآتي بالردة كان يمكنه أن يأتي بدلها بعمل يستحق به ثوابا ، فإذا لم يأت بذلك العمل الجيد وأتى بدله بهذا العمل الرديء الذي لا يستفيد منه نفعا ، بل يستفيد منه أعظم المضار ، يقال : إنه أحبط عمله أي أتى بعمل باطل ليس فيه فائدة ، بل فيه مضرة ، ثم قال المنكرون للإحباط : هذا الذي ذكرناه في تفسير الإحباط ، إما أن يكون حقيقة في لفظ الإحباط ، وإما أن لا يكون ، فإن كان حقيقة فيه وجب المصير إليه ، وإن كان مجازا وجب المصير إليه ; لأنا ذكرنا الدلائل القاطعة في مسألة أن الموافاة شرط في صحة الإيمان ، على أن القول بأن أثر الفعل الحادث يزيل أثر الفعل السابق محال .
المسألة الثالثة : أما ، فهو أنه يقتل عند الظفر به ويقاتل إلى أن يظفر به ، ولا يستحق من المؤمنين موالاة ولا نصرا ولا ثناء حسنا ، وتبين زوجته منه ولا يستحق الميراث من المسلمين ، ويجوز أن يكون المعنى في قوله : ( حبوط الأعمال في الدنيا حبطت أعمالهم في الدنيا ) أن ما يريدونه بعد الردة من الإضرار بالمسلمين ومكايدتهم بالانتقال عن دينهم يبطل كله ، فلا يحصلون منه على شيء لإعزاز الله الإسلام بأنصاره ، فتكون الأعمال على هذا التأويل ما يعملونه بعد الردة ، وأما حبوط أعمالهم في الآخرة فعند القائلين بالإحباط معناه أن هذه ، وعند المنكرين لذلك معناه : أنهم لا يستفيدون من تلك الردة ثوابا ونفعا في الآخرة ، بل يستفيدون منها أعظم المضار ، ثم بين كيفية تلك المضرة فقال تعالى : ( الردة تبطل استحقاقهم للثواب الذي استحقوه بأعمالهم السالفة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .