فصل 
فأما قراءة القرآن وذكر الله تبارك وتعالى فيجوز للمحدث ؛ لحديث  عائشة  المتقدم ، ولأن  ابن عباس  أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه لما قام الليل قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة آل عمران قبل أن يتوضأ   " .   [ ص: 393 ] وقد روى  ابن عباس  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من الخلاء فأتي بطعام ، فذكر له الوضوء ، فقال " ما أردت صلاة فأتوضأ " رواه أحمد   ومسلم    . 
وفي رواية :   " إنما أمرت بالوضوء إذا أقيمت الصلاة " رواه أحمد   وأبو داود   والترمذي   والنسائي  ، لكن يستحب له الوضوء كذلك لما روى المهاجر بن قنفذ  أنه سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوضأ ، فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه فرد عليه وقال :   " إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة " رواه أحمد   وأبو داود   وابن ماجه    . 
وعن أبي جهيم بن الحارث  قال : أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل ، فلقيه رجل ، فسلم عليه ، فلم يرد عليه السلام حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ثم رد عليه السلام   " متفق عليه . 
وكذلك يستحب الوضوء لكل صلاة  في المشهور من الروايتين ، وفي الأخرى لا فضل فيه كما لو توضأ مرارا ولم يصل بينهما ؛ ولأن الوضوء إنما يراد لرفع الحدث ، فإذا لم يكن محدثا لم يستحب له ، بخلاف الغسل ، فإنه   [ ص: 394 ] يشرع للتنظيف ، والصحيح الأول ، ما روى  أبو هريرة  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ، ومع كل وضوء سواك   " رواه أحمد  بإسناد صحيح . 
وعن  أنس  قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة " قيل له : فأنتم كيف كنتم تصنعون ؟ قال : كنا نصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم نحدث   . رواه الجماعة إلا مسلما    . وعن  ابن عمر  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات   " رواه  أبو داود   والترمذي   وابن ماجه ،  وفيه لين . وكان  عبد الله بن عمر    " يتوضأ لكل صلاة طاهرا وغير طاهر   " رواه أحمد   وأبو داود    . ولأن قوله : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا    ) أمر لكل قائم طاهر أو غير طاهر ، لكن فسرت السنة أن الأمر في حق غير المحدث ليس للإيجاب ، فيبقى الندب ، ويستحب الوضوء لمن يريد المنام  ؛ لما روى  البراء بن عازب  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن   " متفق عليه . 
 [ ص: 395 ] فإن كان جنبا كان الاستحباب في حقه أوكد بحيث يكره له ترك الوضوء كراهة شديدة ، والمشهور أنه " يسن " له أن يغسل فرجه ويتوضأ ، وفي كلامه ظاهره وجوب ذلك ؛ لما روى  ابن عمر  أن عمر  قال : يا رسول الله ، أينام أحدنا وهو جنب  ؟ قال : " نعم إذا توضأ   " رواه الجماعة . وعن أبي سلمة  عن  عائشة  قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة   " رواه الجماعة إلا  الترمذي    . وأما ما رواه أبو إسحاق  عن  الأسود  عن  عائشة  قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جنب ولا يمس ماء   " رواه الخمسة إلا  النسائي    - فقال أحمد :  ليس بصحيح . وكذلك ضعفه  يزيد بن هارون   والترمذي  وغيرهما ، وإن كان محفوظا ، معناه - والله أعلم - لا يمس ماء الاغتسال ، أرادت أن   [ ص: 396 ] تبين أنه لم يكن يغتسل قبل النوم ، كما جاء عنها في رواية سعد بن هشام    . والمرأة كالرجل في ذلك إذا أصابتها الجنابة ، وعنه : إنه لم يرد ذلك على النساء ورآه على الرجال ؛ لأن  عائشة  أخبرت عنه بالوضوء ولم تذكر أنها كانت تفعل ذلك ولا أنه أمرها ، مع اشتراكهما في الجنابة ، ولأن المرأة تمكث مدة حائضا لا يشرع لها وضوء ، فمكثها جنبا أخف ، وكذلك يستحب الوضوء للجنب إذا أراد أن يجامع ثانيا ، أو يأكل ، أو يشرب ؛ لما روى  أبو سعيد الخدري    - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ   " رواه الجماعة إلا  البخاري    . 
وروى إبراهيم  عن  الأسود  عن  عائشة  قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان جنبا وأراد أن يأكل أو يشرب أو ينام توضأ وضوءه للصلاة  " رواه أحمد   وأبو داود   والنسائي    . وعن  عمار بن ياسر    " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ  وضوءه للصلاة   " رواه أحمد  ،  وأبو داود  ،  والترمذي  وقال : حديث   [ ص: 397 ] حسن صحيح . وفي رواية لأحمد   وأبي داود    " أن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير ، ولا المتضمخ بالزعفران ، ولا الجنب    " . 
ويكره له تركه هنا كتركه للنوم عند القاضي ، لحديث عمار  هذا ، والمنصوص أنه لا يكره ، لكن يكفيه أن يغسل يديه وفمه للأكل ، وأما الجماع فلا يحتاج فيه إلى ماء ، ولو ترك غسل اليدين والفم عند الأكل والشرب لم يكره على ظاهر كلامه ؛ لما روى أبو سلمة  عن  عائشة  قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة ، وإذا أراد أن يأكل ويشرب يغسل يديه ثم يأكل ويشرب   " رواه أحمد   والنسائي  ، وليس فيه غسل الفم ، فالظاهر أنه بلغ أحمد من وجه آخر . وعن  الأسود  عن  عائشة  قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كانت له حاجة إلى أهله أتاهم ثم يعود ولا يمس ماء   " رواه أحمد  ، ومن أصحابنا من يجعل المسألة في الأكل والشرب على روايتين : إحداهما استحباب الوضوء ، والثانية : استحباب غسل اليدين والمضمضة ، والصحيح ما ذكرناه أن الوضوء كمال السنة ، وأن الاقتصار على غسل اليدين أدنى السنة . وأما المرأة فالمنصوص أنها كالرجل فيما يشرع لها عند الأكل والشرب من وضوء أو غسل اليد والفم ، وأما عند معاودة الرجل لها فالأشبه أنه كالنوم . 
				
						
						
