مسألة
" فإذا تكرر ثلاثة بمعنى واحد صار عادة "
هذا أشهر الروايتين ، وعنه : أنه يصير عادة بتكرار مرتين ، فتبني عليه المبتدأة في المرة الثالثة أو في المرة الثانية ، على اختلاف الطريقين ؛ لأن العادة مشتقة من العود ، وذلك يحصل في المرة الثانية ، والأول أصح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال : " رد المستحاضة إلى عادتها " ، وقال : " اجلسي قدر ما كانت تحبسك حيضتك " ، وقال : " لتنظر ما كانت تحيض في كل شهر " وحيضها مستقيم " فلتعتدد " بذلك ، ولا يقال : كانت تفعل كذا ، إلا لما دام وتكرر ، دون ما وجد مرة أو مرتين ، وقال في حديث آخر : " تجلس أيام أقرائها " ، وأقل ما تكون الأقراء ثلاثة ، ولأن الثلاث آخر حد القلة وأول حد الكثرة ، ولهذا [ ص: 487 ] قدر بها أشياء كثيرة ، مثل : خيار المصارة ، وخيار المخدوع ، ومدة الهجرة ، والإحداد على غير الزوج ، وإقامة المهاجر اجلسي قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها بمكة بعد قضاء نسكه ، وغير ذلك . وقولهم : " العادة مشتقة من العود " إنما يصح لو كان الشرع هو الذي علق الحكم باسم العادة ، والعادة من ألفاظ الفقهاء . وهذا كما يقول بعضهم : أقل أسماء الجموع اثنان ؛ لأن الجمع الضم ، وذلك موجود في الاثنين . وإنما يصح هذا لو كان العرب سمت هذه الألفاظ جموعا ، وإنما هذه تسمية النحاة ، ثم لو راعينا الاشتقاق فإن العادة لا تحصل بعود مرة ؛ لأن أصلها عودة ، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، وهذه صيغة مبالغة ، فلا يحصل ذلك إلا بتكرار العود ، وأقل ما يتكرر فيه العود مرتين بعد الأولى ، وسواء كانت الأشهر الثلاثة متوالية أو متفرقة ؛ حتى لو حاضت سبعا ثم ستا ثم خمسا فإنها تجلس الخمس ، فإن حاضت في الشهر الرابع ستا صارت هي العادة كتكررها ثلاث مرات ، هذا أحد الوجهين .
وفي الثاني : لا تثبت العادة إلا بتوالي أشهر الحيض ؛ لأنها لما حاضت بعد ذلك ستا صار اليوم السادس حيضا مبتدئا لا معتادا ، وهذا أشبه بالمذهب ؛ لأن من أصلنا أن العادة إذا نقصت في بعض الأشهر فإن كانت تحيض عشرا فحاضت في شهر سبعا ثم استحيضت في عقب ذلك ، فإنها تبني على سبع .