مسألة
" " وتتوضأ لكل صلاة وتصلي
وجملة ذلك أنه لا يجوز أن تتوضأ إلا بعد دخول الوقت ، فإذا توضأت صلت به ما شاءت من الفروض والنوافل ، وعنه : لا تجمع بوضوء واحد فرضين ، لكن إذا اغتسلت فلها أن تجمع بالغسل بينهما ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة : " " ، وجوز وتوضئي لكل صلاة الجمع بين الصلاتين بغسل واحد لحمنة بنت جحش ، وسهلة بنت سهيل . والمشهور الأول ؛ لأنه إذا جاز أن تجمع بين الفرضين بغسل واحد ، جاز بوضوء واحد ؛ لأن الحدث قائم في الموضعين ، وإنما كان الغسل أفضل خشية أن يكون الخارج دم حيض ، وقوله " " أي لوقت كل صلاة من الصلوات المعهودة ؛ لما روى توضئي لكل صلاة بإسناده عن ابن بطة حمنة بنت جحش . أنها كانت تهراق [ ص: 493 ] الدم وأنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك " فأمرها أن تغتسل لوقت كل صلاة "
لأنه يجوز لها الجمع بين نوافل وفرض ، ولو أراد أنها تتوضأ لفعل كل صلاة مطلقا لما جاز ذلك ، ولأن الصلاة الراتبة هي المشهورة ، فأما الفوائت والمجموعة فنادرة ، فإذا قيل " توضأ عند كل صلاة " انصرف الإطلاق إلى المعهود ، ولهذا لما قال : " أنس " - لم يفهم إلا الصلوات الخمس في مواقيتها ، ولا يجوز طهارتها قبل الوقت ؛ لأنها طهارة ضرورة ، فلم يجز في وقت الاستغناء عنها كالتيمم وأولى ؛ لأن سبب الحدث هنا خارج عند التطهر وبعده ، بخلاف التيمم فإن القائم هناك الحدث ، ولأنه حكم مقيد بالضرورة ، فيقدر بقدرها كأكل الميتة . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة
ولأن الحدث الخارج ينقض الوضوء ويوجب الاستنجاء إلا ما عفي عنه للضرورة ، ولا ضرورة قبل الوقت ، فإذا خرج الوقت انتقضت طهارتها كما تنتقض بدخوله لو توضأت قبل ذلك في أحد الوجهين ، اختاره القاضي ، والوجه الآخر وهو ظاهر كلام أحمد أنها لا تبطل بخروج الوقت ، وإنما تبطل بدخوله ، فإذا توضأت للفجر لم يبطل وضوؤها إلا بزوال الشمس ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لوقت كل صلاة وتتوضأ لكل صلاة ، وذلك يقتضي بقاء طهارتها من الوقت إلى الوقت ، ولأن كلما دخل وقت صلاة فهي مأمورة بالوضوء لها ، فوجب عليها ، وجاز أن تصلي بما شاءت بعد ذلك تبعا ، فلا فرق بين ما تفعله في الوقت أو بعد الوقت ، فإذا توضأت فإنها تنوي رفع الحدث المتقدم أو استباحة الصلاة من الحدث المتأخر ، فإن نوت رفع الحدث فقط لم يكن ؛ لأن سبب الحدث دائم فلا يرتفع ، هكذا ذكره بعض أصحابنا ، وكلام غيره يقتضي أنه لا يجب عليها ذلك ؛ لأنهم قالوا : هذه الطهارة [ ص: 494 ] ترفع بها حدثا سابقا ، ولا يؤثر فيها تجدد الحدث ، بل يتعقب هذا الحدث طهارتها ، فتكون محدثة وإن أجزنا لها الصلاة مع الحدث ؛ لأنه لم يمكن في حقها أكثر من ذلك ، وإن نوت الاستباحة فقط أجزأ ؛ لأنه يعم الاستباحة من الحدثين ، ويتضمن ارتفاع الحدث المتقدم ، ولا يجب أن تنوي الطهارة للفريضة مثل التيمم ؛ لأن هذه الطهارة ترفع الحدث الذي أوجبها وهو المتقدم ، والحدث المتجدد بعد ذلك معفو عنه للضرورة ، فلا يوجب طهارة أخرى ، والأفضل أن تصلي في عقب الطهارة احترازا عن الحدث والنجاسة بعد الإمكان إلا أن تؤخرها لبعض مصالحها كانتظار جماعة أو إقامة أو تكميل سترة ، فإن أخرتها لغير مصلحة فقد قيل : لا يجزئها ؛ لأنه أمكن التحرز عن ذلك ، فأشبه ما لو لم يحكم الشد ، والصحيح أنه يجزئ ؛ لأن الطهارة مقيدة بالوقت كما تقدم ، ولأنه يجوز لها أن تطيل القراءة والتسبيح في الصلاة ، فجاز لها التأخير كصلاة المغرب بخلاف ما بعد خروج الوقت ، فإنه لا يجوز مد الصلاة إليه عمدا ، ولأن طهارتها باقية في حق النوافل التي لم تصليها تبعا مع تأخيرها ، فلأن يبقى لفرض الوقت أولى .