[ ص: 88 ] ( الفصل الثاني )
أن العمرة أيضا - واجبة ، نص عليه أحمد في مواضع فقال : - في رواية ، الأثرم وبكر بن محمد ، وإسحاق بن إبراهيم ، وأبي طالب [ ص: 89 ] وحرب والفضل : العمرة واجبة ، والعمرة فريضة . وذكر بعض أصحابنا عنه رواية أخرى : أنها سنة لأن الله - سبحانه وتعالى - قال : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ولم يذكر العمرة . ولو كانت واجبة [ ص: 90 ] لذكرها ، كما ذكرها لما أمر بإتمامها وبالسعي فيها في قوله : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) وقوله سبحانه - ( فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) وكذلك أمر خليله - عليه السلام - بدعاء الناس إلى الحج بقوله تعالى : ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا ) - إلى قوله : ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ) ، فعلم أنه لم يأمرهم بالعمرة ، وإن كانت حسنة مستحبة لأنه -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر معاني الإسلام قال : " والاختصاص بأيام معلومات هو للحج فقط دون العمرة " وقال في حديث وحج البيت من استطاع إليه سبيلا جبريل : " محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " ، ولم يذكر العمرة - وسأله الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن ضمام بن ثعلبة عن فرائض الإسلام - إلى أن قال : " " . ولو كانت العمرة واجبة لأنكر قوله : لا أزيد عليهن ولم يضمن له الجنة - مع ترك أحد فرائض الإسلام . ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حج حجة الوداع كان معه من المسلمين ما لا يحصيهم إلا الله - تعالى - وكل قد جاء يؤدي [ ص: 91 ] فرض الله - تعالى - عليه فلما قضى أيام منى بات بالمحصب بعد النفر ، وخرج من الغد قافلا إلى وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ؟ قال : "صدق " ، ثم ولى ، ثم قال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ، ولا أنقص منهن ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "إن صدق ليدخلن الجنة المدينة ولم يعتمر بعد ذلك ، ولم يأمر من معه بالعمرة ، ولا بأن يسافروا لها سفرة أخرى ، وقد كان فيهم المفرد ، والقارن ، وهم لا يرون أنه قد بقي عليهم فريضة أخرى ، بل قد سمعوا منه أن ، وقد فعلوه ، فلو كانت العمرة واجبة كالحج لبين لهم ذلك أو لأقام ريثما أن يعتمر من لم يكن اعتمر . الحج لا يجب إلا في عام واحد
وعن الحجاج بن أرطاة ، عن ، عن محمد بن المنكدر -رضي الله عنهما- قال : أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- أعرابي فقال : جابر بن عبد الله ؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- - : "لا وإن تعتمر خير لك العمرة أواجبة هي " رواه [ ص: 92 ] أخبرني عن أحمد ، وقال : حديث حسن صحيح ، ورواه والترمذي من غير طريق الدارقطني الحجاج .
وعن موقوفا ، ومرفوعا ، أنه قال : " أبي هريرة العمرة تطوع " قال [ ص: 93 ] : والصحيح أنه موقوف على الدارقطني
وعن أبي هريرة . أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : " طلحة بن عبيد الله " رواه الحج جهاد ، والعمرة تطوع ، وفي طريقه ابن ماجه الحسن بن يحيى الخشني عن عمر بن قيس ، أخبرني طلحة بن يحيى عن عمه [ ص: 94 ] ، عن إسحاق بن طلحة
وعن طلحة بن عبيد الله . أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " أبي صالح الحنفي " رواه الحج جهاد ، والعمرة تطوع ، الشافعي وسعيد .
وربما احتج بعضهم بقوله : " . دخلت العمرة في الحج " وليس بشيء
[ ص: 95 ] ولأن العمرة بعض الحج فلم تجب على الانفراد كالطواف ، وهذا لأن ، وإنما وجب مرة واحدة ، فلو وجبت العمرة لكان قد وجب على الإنسان حجتان صغرى ، وكبرى ، فلم يجز ، كما لم يجب عليه حج وطواف ، وكل ما يفعله المعتمر فقد دخل في الحج فليس في العمرة شيء يقتضي إفراده بالإيجاب لكن جعل الله المناسك على ثلاث درجات أتمها هو الحج المشتمل على الإحرام والوقوف والطواف والسعي والرمي والإحلال . الحج لم يجب على وجه التكرار
وبعده العمرة المشتملة على الإحرام ، والطواف والسعي والإحلال . وبعده الطواف المجرد . . . ولأنها نسك غير مؤقت الابتداء والانتهاء ، فلم تجب كالطواف .
ولأنها عبادة غير مؤقتة من جنسها فرض مؤقت ، فلم تجب كصلاة النافلة وهذا لأن . فإذا شرعت في جميع الأوقات علم أنها شرعت رحمة وتوسعة للتقرب إلى الله - تعالى - بأنواع شتى من العبادة ، وسبل متعددة لئلا يمتنع الناس من التقرب إلى الله - تعالى - في غالب الأوقات . العبادات المحضة إذا وجبت وقتت كما وقتت الصلاة والصيام والحج
ووجه الأول : ما احتج به بعضهم من قوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) .
[ ص: 96 ] أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ، ولا الظعن ، فقال : "حج عن أبيك واعتمر " رواه الخمسة ، وقال وعن : حديث حسن صحيح . الترمذي
وفي رواية لأحمد : " إن " فأمره بفعلهما عن أبيه ، ولولا وجوبهما على الأب لما أمره بفعلهما عنه . لكن يمكن أن يقال : إنما سأله عن جواز الحج والعمرة عن أبيه ; لأن الابن لا يجب ذلك عليه وفاقا . أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير
- رضي الله عنها - قالت : قلت يا رسول الله : هل على النساء جهاد ؟ قال : "نعم عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة عائشة " رواه وعن أحمد والنسائي وابن ماجه بإسناد شرط الصحيح ، لكن في لفظ والدارقطني أحمد " والنسائي " وكلمة على تقتضي الإيجاب لا سيما [ ص: 97 ] وقد سألته عما يجب على النساء من الجهاد . فجعله جهادهن . كما روي عن ألا نخرج فنجاهد معك - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " أم سلمة " رواه الحج جهاد كل ضعيف أحمد . وابن ماجه
واحتج أحمد بحديث أبي رزين ، وبحديث ذكره عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله عن نافع عن قال : ابن عمر " . جاء رجل [ ص: 98 ] إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : أوصني ، فقال : "تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان ، وتحج وتعتمر
قال : وعن ابن عباس : أنها واجبة ، وهذا أمر والأمر للإيجاب لا سيما ، وهو إنما أمره بمباني الإسلام ودعائمه . قال وابن عمر : " جابر بن عبد الله " ذكره ليس أحد من خلق الله تعالى إلا وعليه عمرة واجبة ابن أبي موسى .
وفي حديث عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : - يعني جبريل عليه السلام - لما جاء في صورة الأعرابي - : محمد ما الإسلام ؟ فقال : "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأن تقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة ، وتتم الوضوء ، وتصوم رمضان " رواه يا الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين ، ، وقال : هذا [ ص: 99 ] إسناد صحيح أخرجه والدارقطني مسلم بهذا الإسناد .
وهذه الزيادة وإن لم تكن في أكثر الروايات فإنها ليست مخالفة لها ، لكن هي مفسرة لما أجمل في بقية الروايات ، فإن الحج يدخل فيه الحج الأكبر والأصغر ، كما أن الصلاة يدخل فيها الوضوء والغسل ، وإنما ذكر ذلك بالاسم الخاص تبيينا خشية أن يظن أنه ليس داخلا في الأول . وقد روى بإسناد ضعيف عن الدارقطني قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " زيد بن ثابت " . وروى القاضي بإسناده عن إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت قتيبة ، عن ، عن ابن لهيعة ، عن عطاء جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم [ ص: 100 ] - : " " . الحج والعمرة فريضتان واجبتان
وروى سعيد بن أبي عروبة - في المناسك - عن قتادة أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " إنما هي حجة وعمرة ، فمن قضاهما فقد قضى الفريضة ، ومن أصاب بعد ذلك فهو تطوع " . وعن قتادة أن - رحمه الله - قال : " عمر بن الخطاب يا أيها الناس كتب عليكم الحج ، يا أيها الناس كتب عليكم العمرة ، يا أيها الناس كتب عليكم أن يأخذ أحدكم من ماله فيبتغي به من فضل الله فإن فيه الغنى والتصديق ، وأيم الله لأن أموت وأنا أبتغي بما لي في الأرض من فضل الله عز وجل أحب إلي من أن أموت على فراشي " وأيضا فإن العمرة هي الحج الأصغر بدليل قوله - سبحانه - : ( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ) فإن الصفة إذا لم تكن مبينة لحال الموصوف فإنها تكون مقيدة له ومميزة له عما يشاركه في الاسم . فلما قال : ( يوم الحج الأكبر ) علم أن هناك حجا أصغر لا يختص بذلك اليوم . لأن الحج الأكبر له [ ص: 101 ] وقت واحد لا يصح في غيره ، والحج الأصغر لا يختص بوقت . وقد روى عن الدارقطني قال : " ابن عباس " . الحج الأكبر يوم النحر ، والحج الأصغر العمرة
وأيضا ففي كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعثه إلى اليمن : " " رواه وأن العمرة الحج الأصغر من حديث الدارقطني عن الزهري أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده [ ص: 102 ] وهذا الكتاب : ذكر هذا فيه مشهور مستفيض عند أهل العلم . وهو عند كثير منهم أبلغ من خبر الواحد العدل المتصل ، وهو صحيح بإجماعهم .
وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بين أنها الحج الأصغر كما دل عليه كتاب الله عز وجل : علم أنها واجبة ، لأن قوله : ( ولله على الناس حج البيت ) وسائر الأحاديث التي فيها ذكر فرض الحج إما أن يعم الحجين الأكبر والأصغر كما أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- " " يعم نوعي [ ص: 103 ] الطهور الأكبر والأصغر ، وإما أن تكون مطلقة ولا يجوز أن يكون المفروض مطلق الحج ، لأن ذلك يحصل بوجود الأكبر أو الأصغر فيلزم أن تكفيه العمرة فقط وذلك غير صحيح . فيجب أن يكون عاما ولا يجوز أن يعني الحج الأكبر فقط ; لأنه يكون تخصيصا للعام ، وتقييدا للمطلق ، وذلك لا يجوز إلا بدليل . ولو أريد ذلك لقيد كما قيد في قوله : ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور يوم الحج الأكبر ) بل الناس إلى التقييد هنا أحوج لأن هذا ذكر للمفروض الواجب ، والاسم يشملها ، وذاك أمر بالنداء يوم الحج الأكبر ، والنداء لا يمكن إلا في المجتمع ، والاجتماع العام إنما يقع في الحج الأكبر لا سيما وقوله : ( يوم ) والحج الأصغر لا يختص به . وبهذا يجاب عن كل موضع أطلق فيه ذكر الحج . وأما المواضع التي عطف فيها فللبيان والتفسير وقطع الشبهة لئلا يتوهم متوهم أن مخالف لحكم الحج ، وأنها خارجة عنه في هذا الموضع لأنها كثيرا ما تذكر بالاسم الخاص ، وكثيرا ما يكون لفظ الحج لا يتناولها . حكم العمرة
وأما الأحاديث فضعيفة .
وأما كونها لا تختص بوقت ، وكونها بعض الحج فلا يمنع الوجوب . وأيضا فإنها عبادة تلزم بالشروع ، ويجب المضي في فاسدها فوجبت بالشرع كالحج ، وعكس ذلك الطواف