[ ص: 276 ] الفصل الثاني
أن صحيح ، سواء كان مميزا أو طفلا بحيث ينعقد إحرامه ، ويلزمه ما يلزم البالغ من فعل واجبات الحج ، وترك محظوراته ؛ لما روى حج الصبي رضي الله عنهما " ابن عباس بالروحاء ، فقال : من القوم ؟ قالوا : المسلمون ، فقالوا : من أنت ؟ قال : رسول الله ، فرفعت إليه امرأة صبيا ، فقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم ، ولك أجر " رواه الجماعة إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا ، البخاري . والترمذي
وعن قال : " السائب بن يزيد " رواه حج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وأنا ابن سبع سنين أحمد ، . والبخاري
[ ص: 277 ] وعن جابر قال : " رواه رفعت امرأة صبيا لها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حجته فقالت : " يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال : نعم ، ولك أجره ، ابن ماجه ، وقال : غريب ، وعنه قال : " والترمذي " رواه حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، معنا النساء والصبيان ، فلبينا عن الصبيان ، ورمينا عنهم أحمد ، ، ورواه وابن ماجه ، ولفظه " الترمذي " ، وفي لفظ له : " أحرمنا عن الصبيان ، وأحرمت النساء عن نفسها " وقال : غريب ، وقد [ ص: 278 ] تقدم في الحديث المرسل ، وقول كنا نلبي عن النساء ، ونرمي عن الصبيان : " أيما ابن عباس أجزأت عنه ، وإن أدرك فعليه حجة أخرى " فإن حج قبل بلوغ الاحتلام بعد بلوغ السن . . . صبي حج به أهله فمات
فإن كان الصبي مميزا أحرم بنفسه بإذن الولي ، وفعل أفعال الحج ، واجتنب [ ص: 279 ] محظوراته ، فإن أحرم عنه الولي أو فعل عنه شيئا مثل الرمي وغيره لم يصح ؛ لأن هذا دخول في العبادة فلم يصح من المميز دون قصده كالصوم ، والصلاة .
فإن أحرم بدون إذن الولي ، ففيه وجهان :
أحدهما : لا يصح ، قاله أبو الخطاب وجماعة معه ، قال متأخرو أصحابنا : وهو أصح ؛ لأنه عقد يجب عليه به حق فلم يملك فعله بدون إذن الولي كالنكاح ، فعلى هذا قال القاضي في موضع : إحرامه بدون إذن الولي كإحرام العبد ، فعلى هذا هل يملك الولي تحليله ؟ على وجهين .
والثاني : يصح لأنها عبادة فجاز أن يفعلها بدون إذن الولي كالصوم ، والصلاة .
وإن كان غير مميز عقد الإحرام له وليه ، سواء كان حراما أو حلالا كما يعقد له النكاح وغيره من العقود ، ويلبي عنه فيقول : لبيك عن فلان ، وإن لم يسمه جاز ، ويطوف به ويسعى ويحضره المواقف ويرمي عنه ، ويجنبه كل ما يجتنبه الحرام ، وإذا لم يمكنه الرمي استحب أن يوضع الحصى في يده ، ثم يؤخذ فيرمى عنه ، وإن وضعه في يده ، ورمى بها ، وجعلها كالآلة جاز ، قال أصحابنا : ولا [ ص: 280 ] يرمي عنه حتى يرمي عن نفسه ، فإن كان رمى عن الصبي وقع عن نفسه ، وهذا بناء على أن من حج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه وقع عن نفسه ، فإن قلنا يقع عن الغير أو يقع باطلا فكذلك .
ونفقة السفر التي تزيد على نفقة الحضر تجب في مال الولي في إحدى الروايتين ، ومنهم من يحكيها على وجهين ، اختارها القاضي في المجرد ، وأبو الخطاب ، وغيرهما إلا أن لا يجد من يضعه عنده لأنها نفقة ، وهو مستغن عنها فلم تجب في ماله كالزيادة على نفقة مثله في الحضر .
وفي الأخرى : هي في مال الصبي ، وهذا اختيار القاضي في خلافه ، وقال : هو قياس قول أحمد ؛ لأنه قال : يضحي الوصي عن اليتيم من ماله ؛ لأن هذا مما له فيه منفعة ؛ لأنه يعرف أفعال الحج ، ويألفها فهو كالنفقة على تعليم الخط ، وكفارات الحج التي تلزمه بترك واجب أو فعل محظور كالنفقة ، فما كان من الكفارات لا يجب إلا على العامد كاللباس والطيب في المشهور لم يجب على الصبي ؛ لأن عمده خطأ ، قاله أصحابنا ، ويتخرج إذا أوجبنا الدية في ماله دون عاقلته .
[ ص: 281 ] وما يجب على العامد والمخطئ مثل : قتل الصيد ، وحلق الشعر ، وتقليم الظفر في المشهور ، فقال : . . . هي كالنفقة هل تجب في مال الصبي أو وليه على روايتين ، والمنصوص عنه . . .
والولي هنا : هو الذي يملك التصرف في ماله من الأب ، والحاكم ، والوصي . قاله القاضي . فأما من لا ولاية له على المال كالأم ونحوها ، فقال : ظاهر كلام أحمد أنه لا يصح إحرامه ؛ لأن الإحرام متعلق به إلزام مال .
والمنصوص عن أحمد : أنه يحرم عنه أبواه أو وليه ، فعلى هذا تحرم عنه الأم أيضا ، وهذا اختيار ابن عقيل وغيره من أصحابنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته : " " ولا يكون لها أجر حتى تكون هي التي تحج به ، وهذا بناء على أن النفقة تلزم الولي والمحرم به ، فلا ضرر في ماله . نعم ، ولك أجر
[ ص: 282 ] ولأن الأم قد نقل عنه أنها تقبض للابن ، وخرج بعض أصحابنا سائر الأقارب على الأم ، وأما الأجانب فلا يصح إحرامهم عنه وجها واحدا ، وقياس المذهب في هذا أنا إن قلنا إن النفقة في ماله ، فإنما يحرم به من يتصرف في ماله ، وهم هؤلاء الثلاثة أو غيرهم عند الضرورة ، فإن أحمد قد نص على أنه يجوز أن يقبض الزكاة أكبر الإخوة لإخوته ، ويقبضها لليتيم من يعوله .
وإن قلنا : ليست في ماله فمن كان في حضانته الصبي فإنه يعقد له الإحرام ؛ لأن الولاية هنا تبقى على البدن لا على المال حتى لو كان في حضانة أمه حتى يحرم به اللقيط ، والكافل لليتيم ، ونحو هؤلاء . . . فأراد أبوه أن [ ص: 283 ] يحرم به . . . وسواء في ذلك المميز والطفل . . .
وإذا أو وطئ فسد حجه ؛ لأن أكثر ما فيه أن عمده خطأ ، ووطء الناسي يفسد الحج ، وعليه المضي في فاسده ، وفي وجوب القضاء وجهان : أحدهما : لا يجب عليه ؛ لأن بدنه ليس من أهل الوجوب لكن تجب الفدية في ماله عند القاضي ، وعند وطئ في الحج أبي الخطاب على وليه ، والثاني : يجب القضاء ، قال القاضي : وهو أشبه بقول أحمد ؛ لأنه أوجب القضاء على العبد إذا أفسد الحج ؛ لأن الوجوب هنا بسبب من جهته وجهة وليه ، فلم يمتنع كوجوب الإتمام بخلاف إيجاب الشرع ابتداء ، فعلى هذا هل يلزمه القضاء في حال صغره أو بعد بلوغه ؟ على وجهين : قال القاضي : أصحهما : في حال صغره ؛ لأن القضا على الفور .
والثاني : بعد البلوغ ؛ لأن الصغير ليس من أهل الوجوب المبتدأ في الحال ، فعلى هذا إن قضاه في الصغر فهل يصح ؟
فيه وجهان ، فإن أخر القضاء إلى ما بعد البلوغ بدأ بحجة الإسلام .
[ ص: 284 ] وإن أحرم بالقضاء أولا انصرف إلى حجة الإسلام على المشهور في المذهب ، ثم إن كانت الحجة المقضية تجزئه عن حجة الإسلام لو تمت صحيحة بأن يكون قد أدرك فيها قبل الوقوف كان قضاؤها مجزئا عن حجة الإسلام ، وإن لم تكن مجزئة عن حجة الإسلام لم يجزئ قضاؤها عن حجة الإسلام فيما ذكره أصحابنا كالقاضي ، وأصحابه ، ومن بعده ، والقياس أن تكون كالمنذورة .