( فصل ) 
ويضمن بيض الصيد ؛ مثل بيض النعام والحمام وغير ذلك بقيمته ، قال - في رواية حنبل    - في المحرم يصيب بيض النعام    : فيه قيمته ، فإذا لم يجد صام . لما روى سعيد بن أبي عروبة  ، عن مطر  ، عن  معاوية بن قرة  ، عن رجل من الأنصار    : " أن رجلا أوطأ بعيره أدحي نعام فكسر بيضها ، فانطلق إلى علي    - رضي الله عنه - فسأله عن ذلك ، فقال له علي    : عليك بكل بيضة جنين ناقة ، أو ضراب ناقة ، فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قد قال علي  ما سمعت ، ولكن هلم إلى الرخصة : عليك بكل   [ ص: 307 ] بيضة صوم يوم ، أو إطعام مسكين   " رواه أحمد  في المسند  وأبو داود  في مراسيله . وإنما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - بطعام مسكين لكل بيضة ؛ لأن قيمة البيضة كانت إذ ذاك بقدر طعام مسكين ، يدل عليه ما روى  أبو هريرة  قال : " سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيض النعام ؟ قال : قيمته   " وعن  ابن عباس  قال : " قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيض النعام - يصيبه المحرم - بثمنه   " رواهما النجاد .  
وعن  أبي الزناد  قال : " بلغني عن  عائشة  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم في بيض النعام في كل بيضة صيام يوم   " رواه  أبو داود  في مراسيله وقال : أسند هذا الحديث ، وهذا هو الصحيح ، وأيضا : عن إبراهيم  قال : قال عمر  في   [ ص: 308 ] النعام يصيبه المحرم قال : ثمنه . 
وعن  أبي عبيدة عبد الله بن مسعود    : في بيض النعام يصيبه المحرم ، قال : فيه ثمنه ، أو قدر ثمنه   . وكان علي  يقول : " يضرب له من الإبل بقدر ما أصاب من البيض ، فما نتج فهو هدي ، وما لم ينتج فهو بما يفسد من البيض " . 
وعن  ابن عباس    : في بيض النعام قال : قيمته ، أو ثمنه وعن إبراهيم  قال : كانوا يقولون : في بيض النعام وشبهه يصيبه المحرم فيه ثمنه . 
 [ ص: 309 ] وعن  سعيد بن منصور  ، وعن عبد الله بن حصين  أن أبا موسى  قال : في كل بيضة صوم يوم ، أو إطعام مسكين . 
وعن أبي عبيدة  قال : كان  عبد الله بن مسعود  يقول : في كل بيضة من بيض النعام صوم يوم ، أو إطعام مسكين رواهما  ابن أبي عروبة    . 
فقد اتفقت أقوال الصحابة : أن فيه قيمته إلا ما يروى عن علي    - رضي الله عنه - وقد تقدم أن فتياه عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتى بخلافها ، والحديث مسند ذكره الإمام أحمد  في المسند وإن كان مرسلا : فقد عضده عمل جماهير الصحابة والتابعين به ، وأنه أسند من وجه آخر ، وذلك يجعله حجة عند من لا يقول بمجرد المرسل . 
وأيضا : فإن البيض جزء من الصيد يتطلب كما يتطلب الصيد ، قال  مجاهد  في قوله : ( ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم    ) قال : البيض والفراخ ، رواه  ابن عيينة  ، ويكون منه الصيد ، وفي أخذه تفويت لفراخ الصيد ؛ وقطع لنسله ، فوجب أن يضمن كالصيد ؛ وذلك أن الحيوان منه ما يبيض ، ومنه ما يلد ، والبيض للبائض كأحمد للوالد . 
 [ ص: 310 ] ويقال : كل أسك يبيض وكل مشرف الأذنين يلد . وهو مما لا مثل له ، فوجب أن يضمن بالقيمة لعصافير ونحوها . 
وأصل هذا عند أصحابنا : أن ضمان الصيد يجري مجرى ضمان الأموال ؛ لأنه يختلف باختلاف المضمون ، فيجب في الصغير والكبير والصحيح والمعيب والكامل والناقص بحسبه كالأموال بخلاف النفوس فإن ديتها لا تختلف باختلاف هذه الصفات ، وإنما هو شيء مقدر في الشرع ، وإذا كان كذلك فهو لو أتلف بيض طير لإنسان : اعتبر البيض بنفسه ، ولم يعتبر بأصله ، بخلاف ما لو أتلف جنين آدمي . 
وفي جنين الصيد القيمة  أيضا ؛ وهو أرش ما نقصته الجناية ، كجنين البهيمة المملوكة ، فإذا ضرب بطن ظبية حامل ، فألقت جنينا ميتا وسلمت : فعليه ما بين قيمتها حاملا ، وحائلا ، وإن ماتت بعد ذلك ضمن قيمة ظبية حامل . 
ومن أصحابنا : من خرج وجها : أن جنين الصيد يضمن بعشر ما تضمن   [ ص: 311 ] به الأم ، كما قال أبو بكر  في جنين البهيمة المملوكة ، وأولى . وعلى هذا : فالبيض ... . 
فإن ضمنه بجنين مثله كما قال علي    : فظاهر الحديث أنه يجزئه . 
وهل يباح البيض بعد كسره ؟  ، فيه وجهان : أحدهما : لا يحل للكاسر ولا غيره من حلال ، ولا حرام كالصيد الذي قتله المحرم ، قاله القاضي وغيره . وعلى هذا : إذا أخذه وهو محرم ، وتركه حتى حل لم يبح أيضا كالصيد . 
والثاني : يباح لأنه لا يفتقر إلى تذكية إذ لا روح فيه ، وعلى هذا فلا يحل للكاسر المحرم ، ولا... ، وإنما يباح للحلال ، وكذلك ما لا يفتقر إلى ذكاة من الحيوان كالجراد . 
فإن كسر البيض ، فخرج مذرا فلا شيء عليه لأنه لا قيمة له ، فهو كما لو أهلك صيدا ميتا . إلا بيض النعامة ففيه وجهان ؛ أحدهما : يضمنه قاله القاضي في المجرد ، وابن عقيل  ؛ لأن لقشره قيمة . 
والثاني : لا يضمنه قاله القاضي في خلافه وأبو محمد    . 
فإن خرج في البيض فرخ ، أو استهل الجنين حيا وعاش : فلا شيء عليه ،   [ ص: 312 ] وإن مات ، أو استهل جنين الصيد ثم مات : ضمنه ضمان الصيد الحي . 
وإن أخذ البيضة ، فكسر البيضة ثم ترك الفرخ حيا ، فهل يضمن الفرخ لكونه بمنزلة من رد الوديعة ردا غير تام ؟ على وجهين . 
وإن خرج منها فرخ ميت ؛ فقال أصحابنا : لا شيء فيه ؛ لأنه لا قيمة له بخلاف الجنين إذا وقع ميتا إنما مات بالضربة إذ لو مات قبل ذلك لأجهضه ، وهذا فيما إذا مات قبل الكسر ، فإن مات بالكسر... . 
وإن كان الفرخ لم ينفخ فيه الروح : ففيه قيمة بيض فرخ غير فاسد كالجنين . 
ويضمن بكل سبب هو فيه متعمد ؛ فلو نقل بيض طائر فجعله تحت طائر آخر فحضنه ، فإن صح وسلم : فقد أساء ولا شيء عليه . قاله أصحابنا : وقد قال أحمد    - فيما إذا أعره ! يتصدق بشيء . وإن فسد : فعليه الضمان ، وكذلك إن أقره مكانه وضم إليه بيضا آخر ليحضنه الطائر - سواء أذعر الطائر فلم يحضنه ، أو حضنهما معا . 
 [ ص: 313 ] وإن باض الحمام ، أو فرخ على فراشه فهل يضمن ؟ : على وجهين كالجراد إذا افترش في طريقه . 
وإنما يضمن بيض طائر مضمون ، فأما بيض الغراب والحدأة : فلا يضمنه ، ويضمن بيض الجراد كالجراد نفسه . 
ومن أتلف بيضا لا يحصيه : احتاط ، فأخرج ما يعلم أنه قد أتى على قيمته ، ذكره القاضي وابن عقيل  كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها ، وقياس المذهب . 
وأما بيض النمل : فقال ابن عقيل    : هو على ما قلنا في النمل ، ففي النملة لقمة أو تمرة أو حفنة طعام إذا لم يؤذه : ففي بيضها صدقة ، وهذا إنما يخرج على إحدى الروايتين وهو ضمان غير المأكول  إذا لم يكن مؤديا . فإما على الرواية الأخرى : وهو أنه لا يضمن إلا ما يؤكل : فليس في النمل ولا في بيضه ضمان . 
وأما بيض القمل - وهو الصيبان - فقال القاضي وابن عقيل    : فيه روايتان كالقمل . 
				
						
						
