قال المصنف رحمه الله تعالى ( هذا الذي ذكرناه في المستحاضة إذا عبر دمها الخمسة عشر ولم يتخللها طهر ، فأما إذا تخللها طهر بأن فهي مستحاضة . وقال رأت يوما وليلة دما ويوما وليلة نقاء وعبر الخمسة عشر ابن بنت الشافعي - رحمه الله - : الطهر في اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض وبين ما بعده فيكون الدم في الخمسة عشر حيضا ، وفي النقاء الذي بينهما قولان في التلفيق ، لأنا حكمنا في اليوم السادس عشر لما رأت النقاء بطهارتها وأمرناها بالصوم والصلاة وما بعده ليس بحيض ، بل هو طهر فكان بمنزلة ما لو انقطع الدم بعد الخمسة عشر ولم يعد ، [ ص: 516 ] والمنصوص أنها مستحاضة اختلط حيضها بالاستحاضة ، لأنه لو كان النقاء في اليوم السادس عشر يميز لوجب أن يميز في الخمسة عشر كالتمييز باللون ، فعلى هذا ينظر فيها ، فإن كانت مميزة بأن ترى يوما وليلة دما أسود ، ثم ترى النقاء عشرة أيام ، ثم ترى يوما وليلة دما أسود ، ثم أحمر فترد إلى التمييز فيكون الحيض أيام الأسود وما بينهما على القولين ، وإن كان لها عادة في كل شهر خمسة أيام ردت إلى عادتها .
فإن قلنا : لا يلفق كانت الخمسة كلها حيضا ، وإن قلنا : يلفق كانت أيام الدم حيضا وذلك ثلاثة أيام ونقص يومان من العادة ، ومن أصحابنا من قال : يلفق لها قدر العادة من الخمسة عشر يوما ، فيحصل لها خمسة أيام من تسعة أيام ، وإن كانت عادتها ستة أيام فإن قلنا : لا يلفق كان حيضها خمسة أيام لأن اليوم السادس من أيام العادة لا دم فيه ، لأن الدم في الأفراد فلم يجز أن يجعل حيضا ، لأن النقاء إنما يجعل حيضا على هذا القول إذا كان واقعا بين الدمين ، فعلى هذا ينقص من عادتها يوم . وإذا قلنا : يلفق من أيام العادة كان حيضها ثلاثة أيام وينقص يومان ، وإذا قلنا : يلفق من خمسة عشر حصل لها ستة أيام من أحد عشر يوما ، وإن كانت عادتها سبعة أيام فإن قلنا : إن الجميع حيض كان حيضها سبعة أيام لا ينقص منها شيء ، لأن اليوم السابع دم ، فيمكن استيفاء جميع أيام عادتها ، وإن قلنا : يلفق لها من أيام العادة كان حيضها أربعة أيام ، وإن قلنا : يلفق من خمسة عشر كان لها سبعة أيام من ثلاثة عشر يوما ، وعلى هذا القياس ، وإن كانت مبتدأة لا تمييز لها ولا عادة ففيها قولان : ( أحدهما ) ترد إلى يوم وليلة ، فيكون حيضها من أول ما رأت يوما وليلة ، والباقي طهر ، وإن قلنا : ترد إلى ست أو سبع فهي كمن عادتها ستة أيام أو سبعة أيام وقد بيناه ، فأما إذا رأت نصف يوم دما ونصف يوم نقاء ولم تجاوز الخمسة عشر فهي على القولين في التلفيق .
وقال بعض أصحابنا : هذه مستحاضة هذه لا يثبت لها حكم الحيض حتى يتقدم لها أقل الحيض ، ومنهم من قال : لا يثبت لها حكم الحيض إلا أن يتقدمه أقل الحيض متصلا ، ويتعقبه أقل الحيض متصلا ، والصحيح هو الأول ، وأنها على القولين في التلفيق ، فإذا قلنا : لا يلفق ، حصل لها أربعة عشر يوما ونصف يوم حيضا ، وإذا قلنا : يلفق حصل لها سبعة أيام ونصف حيضا وما بينهما من النقاء طهر .
وإن جاوز الخمسة عشر كانت مستحاضة فترد إلى التمييز إن كانت مميزة أو إلى العادة إن كانت معتادة ، وإن كانت مبتدأة لا تمييز لها ولا عادة . فإن قلنا : إنها ترد إلى ست أو سبع كان ذلك كالعادة وإن قلنا : ترد إلى يوم وليلة ، فإن قلنا : لا يلفق فلا حيض لها لأنه لا يحصل لها يوم وليلة من غير تلفيق وإن قلنا : يلفق من أيام العادة لم يكن لها حيض لأن اليوم والليلة كأيام العادة ولا يحصل لها من اليوم والليلة أقل الحيض وإن قلنا : يلفق من الخمسة عشر لفق لها مقدار يوم وليلة من يومين وليلتين ، وإن رأت ساعة دما وساعة نقاء ولم يجاوز الخمسة عشر فإن كان الدم بمجموعه يبلغ أقل الحيض فقد [ ص: 517 ] قال أبو العباس : فيه قولان في التلفيق ، وإن كان لا يبلغ بمجموعه أقل الحيض مثل أن ترى ساعة دما ثم ينقطع ثم ترى في آخر الخامس عشر ساعة دما . قال وأبو إسحاق أبو العباس : إذا قلنا : يلفق فهو دم فساد لأنه لا يتلفق منه ما يكون حيضا ، وإذا قلنا : لا يلفق احتمل وجهين :
( أحدهما ) : يكون حيضا لأن زمان النقاء على هذا القول حيض فلا ينقص الحيض عن أقله بل الخمسة عشر حيض ( والثاني ) لا يكون حيضا لأن النقاء إنما يكون حيضا على سبيل التبع للدم ، والدم لم يبلغ بمجموعه أقل الحيض فلم يجعل النقاء تابعا له وإن رأت ثلاثة أيام دما وانقطع [ اثني عشر يوما ثم رأت ثلاثة أيام دما وانقطع ] فالأول حيض لأنها رأته في زمان إمكانه والثاني دم فساد ولا يجوز أن يجعل ابتداء الحيض لأنه لم يتقدمه أقل الطهر ، ولا يمكن ضمه إلى ما رأته قبل الخمسة عشر لأنه خارج عن الخمسة عشر ، وإن رأت دون اليوم دما ثم انقطع إلى تمام الخمسة عشر يوما ثم رأت ثلاثة أيام دما فإن الحيض هو الثاني ، والأول ليس بحيض ، لأنه لا يمكن إضافته إلى ما بعد الخمسة عشر ولا يمكن أن يجعل بانفراده حيضا لأنه دون أقل الحيض ) .