الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن فاته من هذه السنن الراتبة شيء في وقته ففيه قولان ( أحدهما ) لا تقضى ; لأنها صلاة نفل فلم تقض كصلاة الكسوف والاستسقاء ( والثاني ) تقضى لقوله صلى الله عليه وسلم { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } ولأنها صلاة راتبة في وقت فلم تسقط بفوات الوقت إلى غير بدل كالفرائض بخلاف الكسوف والاستسقاء ; لأنها غير راتبة ، وإنما تفعل لعارض وقد زال العارض )

                                      التالي السابق


                                      . ( الشرح ) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه وهذا لفظ رواية مسلم ، وفي رواية البخاري { من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها } وقول المصنف : ( لأنها صلاة راتبة ) احتراز من الكسوف ، وقوله : ( إلى غير بدل ) احتراز من الجمعة ، قال أصحابنا : النوافل قسمان ( أحدهما ) غير مؤقت وإنما يفعل لعارض كالكسوف والاستسقاء وتحية المسجد ، فهذا إذا فات لا يقضى ( الثاني ) مؤقت كالعيد والضحى والرواتب مع الفرائض كسنة الظهر وغيرها فهذه فيها ثلاثة أقوال الصحيح منها أنها يستحب قضاؤها ، قال القاضي أبو الطيب وغيره : هذا القول هو المنصوص في الجديد ، والثاني : لا تقضى وهو نصه في القديم وبه قال أبو حنيفة والثالث : ما استقل كالعيد والضحى قضي وما لا يستقل كالرواتب مع الفرائض فلا يقضى ، وإذا [ كانت ] تقضى فالصحيح الذي قطع به العراقيون وغيرهم أنها تقضى أبدا . وحكى الخراسانيون قولا ضعيفا أنه يقضي فائت النهار ما لم تغرب شمسه ، وفائت الليل ما لم يطلع فجره ، وعلى هذا تقضى سنة الفجر ما دام النهار باقيا ، وحكوا قولا آخر ضعيفا أنه يقضي كل تابع ما لم يصل فريضة مستقبلة ، فيقضي الوتر ما لم يصل الصبح ويقضي سنة الصبح ما لم يصل الظهر ، والباقي هذا المثال ، وفيه وجه أنه على هذا القول يكون الاعتبار بدخول وقت الصلاة المستقبلة لا بفعلها ، وهذا الخلاف كله ضعيف والصحيح استحباب قضاء الجميع أبدا ، ودليله الحديث الذي ذكره المصنف ، وحديث أبي قتادة السابق قريبا في المسألة الرابعة من مسائل [ ص: 533 ] الفرع المتعلقة بالسنن الراتبة أن النبي صلى الله عليه وسلم { فاته الصبح في السفر حتى طلعت الشمس فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة } رواه مسلم والمراد بالسجدتين ركعتان .

                                      وحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم { صلى ركعتين بعد العصر فسألته عن ذلك فقال : إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان الركعتان بعد العصر } رواه البخاري ومسلم وحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما } رواه البيهقي بإسناد جيد ، وعن أبى سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من نام عن وتره أو نسيه فليصل إذا ذكره } رواه أبو داود بإسناد حسن ورواه الترمذي بإسناد ضعيف وتكلم على إسناده ، وإنما ذكرت هذا لئلا يغتر بكلام الترمذي فيه من لا أنس له بطرق الحديث والأسماء فيتوهم ضعف ما ليس هو بضعيف ، وإن كان طريق الترمذي فيه ضعيفا . وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة } رواه مسلم ، ودلالة هذا الحديث مبنية ، على الصحيح المختار أن قيام الليل نسخ وجوبه في حق النبي صلى الله عليه وسلم وصار سنة وسنبسط المسألة بأدلتها في الخصائص في أول كتاب النكاح حيث ذكرها الأصحاب إن شاء الله تعالى ، وفي المسألة أحاديث كثيرة غير ما ذكرتها وفي هذا أبلغ كفاية ، وبالله التوفيق .

                                      ( فرع ) ذكرنا أن الصحيح عندنا استحباب قضاء النوافل الراتبة ، وبه قال محمد والمزني وأحمد في رواية عنه وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف في أشهر الرواية عنهم لا يقضي . دليلنا هذه الأحاديث الصحيحة




                                      الخدمات العلمية