[ ص: 65 ] باب آداب المتعلم أما آدابه في نفسه ودرسه  فكآداب المعلم . وقد أوضحناها . وينبغي أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح بقبول العلم وحفظه واستثماره ، ففي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب   } وقالوا : تطبيب القلب للعلم كتطبيب الأرض للزراعة . وينبغي أن يقطع العلائق الشاغلة عن كمال الاجتهاد في التحصيل ، ويرضى باليسير من القوت ، ويصبر على ضيق العيش . 
قال  الشافعي    - رحمه الله تعالى - : لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح ، ولكن من طلبه بذل النفس ، وضيق العيش ، وخدمة العلماء أفلح . وقال أيضا : لا يدرك العلم إلا بالصبر على الذل . وقال أيضا : لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس ، فقيل : ولا الغني المكفى ؟ فقال : ولا الغني المكفى . وقال  مالك بن أنس    - رحمه الله - : لا يبلغ أحد من هذا العلم ما يريد حتى يضربه الفقر ، ويؤثره على كل شيء . وقال  أبو حنيفة    - رحمه الله - : يستعان على الفقه بجمع الهمم ، ويستعان على حذف العلائق بأخذ اليسير عند الحاجة ولا يزد . 
وقال إبراهيم الآجري    ( 1 ) : من طلب العلم بالفاقة ورث الفهم . وقال  الخطيب البغدادي  في كتابه ( الجامع لآداب الراوي والسامع ) : يستحب للطالب أن يكون عزبا ما أمكنه ، لئلا يقطعه الاشتغال بحقوق الزوجة ، والاهتمام بالمعيشة ، عن إكمال طلب العلم ، واحتج بحديث : " خيركم بعد المائتين حفيف الحاذ ، وهو الذي لا أهل له ولا ولد " . وعن  إبراهيم بن أدهم    - رحمه الله - : " من تعود أفخاذ النساء لم يفلح " يعني اشتغل بهن . وهذا في غالب الناس لا الخواص . وعن  سفيان الثوري :  إذا تزوج الفقيه فقد ركب البحر ، فإن ولد له فقد كسر به . 
 [ ص: 66 ] وقال سفيان  لرجل : تزوجت ؟ فقال : لا ، قال : ما تدري ما أنت فيه من العافية . وعن بشر الحافي    - رحمه الله - : من لم يحتج إلى النساء فليتق الله لا يألف أفخاذهن . 
قلت :  هذا كله موافق لمذهبنا ، فإن مذهبنا أن من لم يحتج إلى النكاح استحب له تركه ، وكذا إن احتاج وعز عن مؤنته ، وفي الصحيحين عن  أسامة بن زيد  رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء   } ( 1 ) وفي صحيح  مسلم  عن  أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل  كانت في النساء   } 
				
						
						
