الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 222 ] قال المصنف رحمه الله تعالى " ( ويبيت بمنى ليالي الرمي   " لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك " وهل يجب ذلك أو يستحب ؟ فيه قولان ( أحدهما ) أنه مستحب لأنه مبيت فلم يجب كالمبيت ليلة عرفة ( والثاني ) أنه يجب { لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس في ترك المبيت لأجل السقاية } فدل على أنه لا يجوز لغيره تركه . فإن قلنا إنه يستحب لم يجب بتركه دم . وإن قلنا : يجب ، وجب بتركه الدم ، فعلى هذا إذا ترك المبيت في الليالي الثلاث وجب دم ، وإن ترك ليلة ففيه ثلاثة أقوال على ما ذكرناه في الحصاة ويجوز لرعاة الإبل وأهل سقاية العباس رضي الله عنه أن يدعوا المبيت ليالي منى ويرموا يوما ويدعوا يوما ثم يرموا ما فاتهم ( والدليل عليه ) ما روى ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته } وروى عاصم بن عدي { أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في ترك البيتوتة يرمون يوم النحر ، ثم يرمون يوم النفر } فإن أقام الرعاة إلى أن تغرب الشمس لم يجز لهم ترك المبيت . وإن أقام أهل السقاية إلى أن تغرب الشمس جاز لهم ترك المبيت ، لأن حاجة أهل السقاية بالليل موجودة ، وحاجة الرعاة لا توجد بالليل ، لأن الرعي لا يكون بالليل ومن أبق له عبد ومضى في طلبه أو خاف أمرا يفوته ، ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه لا يجوز له ما يجوز للرعاة وأهل سقاية العباس { لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعي وأهل السقاية } ( والثاني ) أنه يجوز ; لأنه صاحب عذر . فأشبه الرعاة وأهل السقاية ) .

                                      التالي السابق


                                      هذا كله فيمن لا عذر له في ترك المبيت ، أما من ترك مبيت مزدلفة أو منى لعذر فلا دم ، وهم أصناف ( أحدها ) رعاء الإبل وأهل سقاية العباس فلهم إذا رموا جمرة العقبة يوم النحر أن ينفروا ويدعوا المبيت بمنى ليالي التشريق ، وللصنفين جميعا أن يدعوا رمي يوم القر وهو الأول من التشريق ، ويقضوه في اليوم الذي يليه قبل رمي ذلك اليوم ، وليس لهم ترك يومين متواليين ، فإن تركوا رمي اليوم الثاني من أيام التشريق بأن نفروا اليوم الأول بعد الرمي عادوا في اليوم الثالث ، وإن تركوا رمي الأول بأن نفروا يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة عادوا في الثاني ، ثم لهم [ ص: 225 ] أن ينفروا مع الناس . هذا هو الصحيح المشهور ، وفيه وجه أنه ليس لهم ذلك ، حكاه الرافعي . وإذا غربت الشمس والرعاء بمنى لزمهم المبيت تلك الليلة ورمي الغد ، ويجوز لأهل السقاية أن ينفروا بعد الغروب على الصحيح ، لأن عملهم بالليل بخلاف الرعي ، وفيه وجه أنه لا يجوز لهم ذلك ، حكاه الرافعي ، وهذا الوجه غلط مخالف لنص الشافعي والجمهور ، بل للحديث الصحيح السابق . وقال أصحابنا . ورخصة السقاية لا تختص بالعباسية . هذا هو المذهب والمنصوص ، وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه أنه يختص بهم ، حكاه البندنيجي وآخرون . وفي وجه ثالث يختص ببني هاشم ، حكاه الشيخ أبو حامد والروياني قال أصحابنا : ولو أحدثت سقاية للحجاج جاز للمقيم بشأنها ترك المبيت ، ذكره البغوي ، قال ابن كج وغيره : ليس له . وذكر الدارمي والبندنيجي وجهين حكاهما الروياني ، ثم قال : والمنصوص في كتاب الأوسط أنه ليس له ، والصحيح ما ذكره البغوي ، والله أعلم .

                                      ومن المعذورين من انتهى إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن مبيت المزدلفة فلا شيء عليه ، وإنما يؤمر بالمبيت المتفرغون ، ذكره إمام الحرمين وغيره ، ولو أفاض من عرفة إلى مكة فطاف للإفاضة بعد نصف الليل ففاته المبيت قال القفال لا شيء عليه لاشتغاله بالطواف ، قال الإمام : وفيه احتمال . ومن المعذورين من له مال يخاف ضياعه لو اشتغل بالمبيت أو يخاف على نفسه ، أو كان به مرض يشق معه المبيت ، أو له مريض يحتاج إلى تعهده ، أو يطلب آبقا أو يشتغل بأمر آخر يخاف فوته ، ففي هؤلاء وجهان ( الصحيح ) المنصوص يجوز لهم ترك المبيت ولا شيء عليهم بسببه ، ولهم النفر بعد الغروب ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) لو ترك المبيت ناسيا كان كتركه عامدا ، صرح به الدارمي وغيره .

                                      [ ص: 226 ] فرع ) ذكر الروياني وغيره أنه لا يرخص للرعاء في ترك رمي جمرة العقبة يوم النحر ولا في تأخير طواف الإفاضة عن يوم النحر ، فإن أخروه عنه كان مكروها كما لو أخره غيرهم لأن الرخصة إنما وردت لهم في غير هذا .

                                      ( فرع ) قال الروياني : من لا عذر له إذا لم يبت ليلتي اليومين الأولين من التشريق ورمى في اليوم الثاني وأراد النفر مع الناس في النفر الأول ، قال أصحابنا : ليس له ذلك لأنه لا عذر له ، وإنما جوز ذلك للرعاء وأهل السقاية للعذر وجوز لعامة الناس أن ينفروا لأنهم أتوا بمعظم الرمي والمبيت ، ومن لا عذر له لم يأت بالمعظم فلم يجز له النفر .




                                      الخدمات العلمية