" الثانية " يجب عليه قطعا البحث الذي يعرف به أهلية من يستفتيه للإفتاء إذا لم يكن عارفا بأهليته . فلا يجوز له وانتصب للتدريس والإقراء وغير ذلك من مناصب العلماء ، بمجرد انتسابه وانتصابه لذلك . ويجوز استفتاء من انتسب إلى العلم ، وقال بعض أصحابنا المتأخرين : إنما يعتمد قوله : أنا أهل للفتوى لا شهرته بذلك ، ولا يكتفى بالاستفاضة ولا بالتواتر ; لأن الاستفاضة والشهرة بين العامة لا يوثق بها ، وقد يكون أصلها التلبيس ، وأما التواتر فلا يفيد العلم إذا لم يستند إلى معلوم محسوس . استفتاء من استفاض كونه أهلا للفتوى .
والصحيح هو الأول ; لأن إقدامه عليها إخبار منه بأهليته ، فإن الصورة مفروضة فيمن وثق بديانته ، ويجوز استفتاء من أخبر المشهور المذكور بأهليته . قال المصنف - رحمه الله - وغيره : يقبل في أهليته خبر العدل الواحد . قال الشيخ أبو إسحاق : وينبغي أن نشترط في المخبر أن يكون عنده من العلم والبصر ما يميز به الملتبس من غيره ، ولا يعتمد في ذلك [ ص: 92 ] على خبر آحاد العامة ، لكثرة ما يتطرق إليهم من التلبيس في ذلك . وإذا أبو عمرو فهل يجب عليه الاجتهاد في أعلمهم ؟ والبحث عن الأعلم والأورع والأوثق ليقلده دون غيره فيه وجهان . " أحدهما " : لا يجب ، بل له استفتاء من شاء منهم ; لأن الجميع أهل ، وقد أسقطنا الاجتهاد عن العامي ، وهذا الوجه هو الصحيح عند أصحابنا العراقيين ، قالوا : وهو قول أكثر أصحابنا . " والثاني " : يجب ذلك ; لأنه يمكنه هذا القدر من الاجتهاد بالبحث والسؤال ، وشواهد الأحوال . وهذا الوجه قول اجتمع اثنان فأكثر ممن يجوز استفتاؤهم أبي العباس بن سريج ( 1 ) ، واختيار ، وهو الصحيح عند القاضي القفال المروزي والأول أظهر وهو الظاهر من حال الأولين . قال حسين - رحمه الله - ، لكن متى اطلع على الأوثق ، فالأظهر أنه يلزمه تقليده ، كما يجب تقديم أرجح الدليلين ، وأوثق الروايتين ، فعلى هذا يلزمه تقليد الأورع من العالمين ، والأعلم من الورعين ، فإن كان أحدهما أعلم ، والآخر أورع ، قلد الأعلم على الأصح ، وفي جواز تقليد الميت وجهان : الصحيح : جوازه ; لأن المذاهب لا تموت بموت أصحابها ، ولهذا يعتد بها بعدهم في الإجماع والخلاف ، ولأن موت الشاهد قبل الحكم لا يمنع الحكم بشهادته بخلاف فسقه . والثاني : لا يجوز لفوات أهليته كالفاسق ، وهذا ضعيف لا سيما في هذه الأعصار . أبو عمرو