( 1280 ) مسألة : قال : ( وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة ، أتم ) المشهور عن  أحمد    - رحمه الله - أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها ،  هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة . رواه  الأثرم  ، والمروذي  ، وغيرهما ، وعنه أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم ، وإن نوى دونها قصر . 
وهذا قول  مالك  ،  والشافعي  ،  وأبي ثور    ; لأن الثلاث حد القلة ، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : { يقيم المهاجر بعد قضاء منسكه ثلاثا   } . ولما أخلى  عمر  رضي الله عنه أهل الذمة  ، ضرب لمن قدم منهم تاجرا ثلاثا ، فدل على أن الثلاث في حكم السفر ، وما زاد في حكم الإقامة . ويروى هذا القول عن  عثمان  رضي الله عنه . وقال  الثوري  ، وأصحاب الرأي : إن أقام خمسة عشر يوما مع اليوم الذي يخرج فيه أتم ، وإن نوى دون ذلك قصر . 
وروي ذلك عن  ابن عمر  ،  وسعيد بن جبير  ،  والليث بن سعد    ; لما روي عن  ابن عمر  ،  وابن عباس  ، أنهما قالا : إذا قدمت وفي نفسك أن تقيم بها خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة . ولا يعرف لهم مخالف . وروي عن  سعيد بن المسيب  مثل هذا القول . وروى عنه  قتادة  ، قال : إذا أقمت أربعا فصل أربعا . وروي عن  علي  رضي الله عنه قال : يتم الصلاة الذي يقيم عشرا ، ويقصر الصلاة الذي يقول : أخرج اليوم ، أخرج غدا ، شهرا . 
وهذا قول محمد بن علي  وابنه  والحسن بن صالح    . وعن  ابن عباس  قال : إذا قدمت بلدة ، فلم تدر متى تخرج ، فأتم الصلاة ، وإن قلت : أخرج اليوم ، أخرج غدا . فأقمت عشرا ، فأتم الصلاة . وعنه ، أنه قال : { إن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يصلي ركعتين . قال  ابن عباس :  فنحن إذا أقمنا تسع عشرة نصلي ركعتين ، وإذا زدنا على ذلك أتممنا .   } رواه  البخاري  
وقال الحسن    : صل  [ ص: 66 ] ركعتين ركعتين ، إلى أن تقدم مصرا ، فأتم الصلاة وصم . وقالت عائشة    : إذا وضعت الزاد والمزاد فأتم الصلاة . وكان  طاوس  إذا قدم مكة  صلى أربعا . ولنا ، ما روى  أنس  ، قال : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة  ، فصلى ركعتين حتى رجع ، وأقام بمكة  عشرا يقصر الصلاة   } . متفق عليه . 
وذكر  أحمد  حديث  جابر   وابن عباس    { أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم لصبح رابعة ، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع ، وصلى الفجر بالأبطح  يوم الثامن ،   } فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام ، وقد أجمع على إقامتها . قال : فإذا أجمع أن يقيم كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم قصر ، وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتم . 
قال  الأثرم    : وسمعت  أبا عبد الله  يذكر حديث  أنس  في الإجماع على الإقامة للمسافر . فقال : هو كلام ليس يفقهه كل أحد . وقوله : أقام النبي صلى الله عليه وسلم عشرا يقصر الصلاة فقال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم لصبح رابعة وخامسة وسادسة وسابعة . ثم قال : وثامنة يوم التروية ، وتاسعة وعاشرة . فإنما وجه حديث  أنس  أنه حسب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة  ومنى ،  وإلا فلا وجه له عندي غير هذا . 
فهذه أربعة أيام ، وصلاة الصبح بها يوم التروية تمام إحدى وعشرين صلاة يقصر ، فهذا يدل على أن من أقام إحدى وعشرين صلاة يقصر ، وهي تزيد على أربعة أيام ، وهذا صريح في خلاف قول من حده بأربعة أيام . 
وقول أصحاب الرأي : لم نعرف لهم مخالفا في الصحابة ، غير صحيح ، فقد ذكرنا الخلاف فيه عنهم ، وذكرنا عن  ابن عباس  نفسه خلاف ما حكوه عنه . رواه سعيد  في سننه ، ولم أجد ما حكوه عنه فيه . 
وحديث  ابن عباس  في إقامة تسع عشرة ، وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع الإقامة . قال  أحمد    : أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة  ثماني عشرة زمن الفتح ; لأنه أراد حنينا  ، ولم يكن ثم إجماع المقام . وهذه هي إقامته التي رواها  ابن عباس  ، والله أعلم . 
				
						
						
