( 1349 ) مسألة : قال :   ( ولا جمعة على مسافر ، ولا عبد ، ولا امرأة )  وعن  أبي عبد الله  ، رحمه الله ، في العبد روايتان : إحداهما ، أن الجمعة عليه واجبة . والرواية الأخرى ليست عليه بواجبة . أما المرأة فلا خلاف في أنها لا جمعة عليها . قال  ابن المنذر    : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا جمعة على النساء . 
ولأن المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال ، ولذلك لا تجب عليها جماعة . وأما المسافر فأكثر أهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه كذلك . قاله  مالك  في أهل المدينة  ،  والثوري  في أهل العراق  ،  والشافعي  ، وإسحاق  ،  وأبو ثور  وروي ذلك عن  عطاء  ،  وعمر بن عبد العزيز  ، والحسن  ، والشعبي  
وحكي عن الزهري  ،  والنخعي  ، أنها تجب عليه ; لأن الجماعة تجب عليه ، فالجمعة أولى 
ولنا { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره وكان في حجة الوداع بعرفة  يوم جمعة ، فصلى الظهر والعصر ، وجمع بينهما ، ولم يصل جمعة ،   } والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم ، كانوا يسافرون في الحج وغيره ، فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره ، وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم . وقد قال  [ ص: 95 ]  إبراهيم    : كانوا يقيمون بالري  السنة وأكثر من ذلك ، وبسجستان  السنين . لا يجمعون ولا يشرقون وعن الحسن  عن  عبد الرحمن بن سمرة  قال : أقمت معه سنتين بكابل  ، يقصر الصلاة ، ولا يجمع رواهما سعيد    . 
وأقام  أنس  بنيسابور  سنة أو سنتين ، فكان لا يجمع ، ذكره  ابن المنذر  ، وهذا إجماع مع السنة الثابتة فيه ، فلا يسوغ مخالفته . ( 1350 ) 
فصل : فأما العبد ففيه روايتان : إحداهما ، لا تجب عليه الجمعة . وهو قول من سمينا في حق المسافر . والثانية ، تجب عليه ، ولا يذهب من غير إذن سيده . نقلها المروذي  ، واختارها أبو بكر  ، وبذلك قالت طائفة ، إلا أن له تركها إذا منعه السيد ، واحتجوا بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله    } . ولأن الجماعة تجب عليه ، والجمعة آكد منها ، فتكون أولى بالوجوب 
وحكي عن الحسن  ،  وقتادة  ، أنها تجب على العبد الذي يؤدي الضريبة ، لأن حقه عليه قد تحول إلى المال ، فأشبه من عليه الدين . 
ولنا ، ما روى طارق بن شهاب  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الجمعة حق واجب على كل  مسلم  ، إلا أربعة : عبد مملوك ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مريض   } . رواه أبو داود  ، وقال : طارق  رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه ، وهو من أصحابه . وعن  جابر  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة ، إلا مريضا ، أو مسافرا ، أو امرأة ، أو صبيا ، أو مملوكا   } . رواه  الدارقطني  
وعن  تميم الداري  ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { الجمعة واجبة إلا على خمسة : امرأة ، أو صبي ، أو مريض ، أو مسافر ، أو عبد   } . رواه رجاء بن مرجى الغفاري  ، في " سننه " ولأن الجمعة يجب السعي إليها من مكان بعيد ، فلم تجب عليه ، كالحج والجهاد ، ولأنه مملوك المنفعة ، محبوس على السيد أشبه المحبوس بالدين ، ولأنها لو وجبت عليه لجاز له المضي إليها من غير إذن سيده ، ولم يكن لسيده منعه منها ، كسائر الفرائض ، والآية مخصوصة بذوي الأعذار ، وهذا منهم . ( 1351 ) 
فصل : والمكاتب والمدبر حكمهما في ذلك حكم القن ، لبقاء الرق فيهما . وكذلك من بعضه حر ، فإن حق سيده متعلق به وكذلك لا يجب عليه شيء مما يسقط عن العبد . ( 1352 ) فصل : إذا أجمع المسافر إقامة تمنع القصر ، ولم يرد استيطان البلد  كطلب العلم ، أو الرباط ، أو التاجر الذي يقيم لبيع متاعه ، أو مشتري شيء لا ينجز إلا في مدة طويلة ، ففيه وجهان : أحدهما ، تلزمه الجمعة ; لعموم الآية ، ودلالة الأخبار التي رويناها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوجبها إلا على الخمسة الذين استثناهم ، وليس هذا منهم . 
والثاني : لا تجب عليه ; لأنه ليس بمستوطن ، والاستيطان من شرط الوجوب ، ولأنه لم ينو الإقامة في هذا البلد على الدوام ، فأشبه أهل القرية الذين يسكنونها صيفا ويظعنون عنها شتاء ، ولأنهم كانوا يقيمون السنة والسنتين لا يجمعون ولا يشرقون ، أي لا يصلون جمعة ولا عيدا . فإن قلنا : تجب الجمعة عليه فالظاهر أنها لا تنعقد به ، لعدم الاستيطان الذي هو من شرط الانعقاد . ( 1353 ) 
فصل : ولا تجب الجمعة على من في طريقه إليها مطر  يبل الثياب ، أو وحل يشق المشي إليها فيه . 
وحكي عن  مالك  أنه كان لا يجعل المطر عذرا في التخلف عنها . 
 [ ص: 96 ] ولنا ما روي عن  ابن عباس  ، أنه أمر مؤذنه في يوم جمعة في يوم مطير إذا قلت : أشهد أن محمدا  رسول الله فلا تقل : حي على الصلاة قل : صلوا في بيوتكم فقال : فكأن الناس استنكروا ذلك . فقال : أتعجبون من ذا ؟ فعل ذا من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم إليها فتمشوا في الطين والدحض . أخرجه مسلم .  
ولأنه عذر في الجماعة ، فكان عذرا في الجمعة ، كالمرض ، وتسقط الجمعة بكل عذر يسقط الجماعة ،  وقد ذكرنا الأعذار في آخر صفة الصلاة ، وإنما ذكرنا المطر هاهنا لوقوع الخلاف فيه . ( 1354 ) فصل : تجب الجمعة على الأعمى  وقال  أبو حنيفة    : لا تجب عليه . ولنا عموم الآية ، والأخبار ، وقوله : { الجمعة واجبة إلا على أربعة   } وما ذكرنا في وجوب الجماعة عليه . 
( 1355 ) مسألة : قال :   ( وإن حضروها أجزأتهم )  يعني تجزئهم الجمعة عن الظهر ، ولا نعلم في هذا خلافا . قال  ابن المنذر  أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا جمعة على النساء ، وأجمعوا على أنهن إذا حضرن فصلين الجمعة أن ذلك يجزئ عنهن ; لأن إسقاط الجمعة للتخفيف عنهن ، فإذا تحملوا المشقة وصلوا ، أجزأهم ، كالمريض . ( 1356 ) 
فصل : والأفضل للمسافر حضور الجمعة ،    ; لأنها أكمل . 
فأما العبد فإن أذن له سيده في حضورها فهو أفضل ; لينال فضل الجمعة وثوابها ، ويخرج من الخلاف . وإن منعه سيده لم يكن له حضورها ، إلا أن نقول بوجوبها عليه . وأما المرأة فإن كانت مسنة فلا بأس بحضورها وإن كانت شابة ، جاز حضورها ، وصلاتهما في بيوتهما خير لهما ، كما روي في الخبر : { وبيوتهن خير لهن   } . وقال  أبو عمرو الشيباني    : رأيت  ابن مسعود  يخرج النساء من الجامع يوم الجمعة ، يقول : اخرجن إلى بيوتكن خير لكن . 
( 1357 ) فصل : ولا تنعقد الجمعة بأحد من هؤلاء ، ولا يصح أن يكون إماما فيها .  وقال  أبو حنيفة  ،  والشافعي    : يجوز أن يكون العبد والمسافر إماما فيها ، ووافقهم  مالك  في المسافر . 
وحكي عن  أبي حنيفة  أن الجمعة تصح بالعبيد والمسافرين    ; لأنهم رجال تصح منهم الجمعة . 
ولنا ، أنهم من غير أهل فرض الجمعة ، فلم تنعقد الجمعة بهم ، ولم يجز أن يؤموا فيها ، كالنساء والصبيان ، ولأن الجمعة إنما تنعقد بهم تبعا لمن انعقدت به ، فلو انعقدت بهم أو كانوا أئمة فيها صار التبع متبوعا ، وعليه يخرج الحر المقيم ، ولأن الجمعة لو انعقدت بهم لانعقدت بهم منفردين ، كالأحرار المقيمين ، وقياسهم منتقض بالنساء والصبيان . ( 1358 ) 
فصل : فأما المريض ، ومن حبسه العذر من المطر والخوف ، فإذا تكلف حضورها وجبت عليه ، وانعقدت به ،  ويصح أن يكون إماما فيها ; لأن سقوطها عنهم إنما كان لمشقة السعي ، فإذا تكلفوا وحصلوا في الجامع ، زالت المشقة ، فوجبت عليهم ، كغير أهل الأعذار . 
				
						
						
