. ( 1453 ) فصل : ويجوز أن صلى الله عليه وسلم . قال يصلي صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله : كل حديث يروى في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز . وقال : ستة أوجه أو سبعة يروى فيها ، كلها جائز . وقال أحمد : قلت الأثرم : تقول بالأحاديث كلها كل حديث في موضعه ، أو تختار واحدا منها . لأبي عبد الله
قال : أنا أقول من ذهب إليها كلها فحسن ، وأما حديث سهل فأنا أختاره . إذا تقرر هذا فنذكر الوجوه التي بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليها ، وقد ذكرنا منها وجهين أحدهما ، ما ذكره ، وهو حديث الخرقي سهل . والثاني حديث ، وهو الذي ذهب إليه ابن عمر . والثالث ، صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أبو حنيفة بعسفان ، وهو ما روى أبو عياش الزرقي قال { بعسفان وعلى المشركين . فصلينا الظهر . فقال المشركون : لقد أصبنا غرة لو حملنا عليهم في الصلاة . فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر . فلما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة ، والمشركون أمامه ، فصف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صف ، وصف خلف ذلك الصف صف آخر ، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعا ، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه ، وقام الآخرون يحرسونهم ، فلما صلى بهؤلاء السجدتين وقاموا ، سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين ، وتقدم الصف الآخر إلى مقام الصف الأول ، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعا ، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه ، وقام الآخرون يحرسونهم ، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه سجد الآخرون ، ثم جلسوا جميعا ، فسلم عليهم ، فصلاها خالد بن الوليد بعسفان ، وصلاها يوم بني سليم } . رواه كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أبو داود . وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا المعنى . أخرجه جابر . [ ص: 138 ] وروي عن مسلم ، أنه أمر حذيفة سعيد بن العاص بطبرستان حين سألهم : أيكم شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ؟ فقال : أنا . وأمره بنحو هذه الصلاة ، وقال : وتأمر أصحابك إن هاجهم هيج فقد حل لهم القتال والكلام . رواه حذيفة بإسناده . الأثرم
وإن حرس الصف الأول في الأولى ، والثاني في الثانية ، أو لم يتقدم الثاني إلى مقام الأول ، أو حرس بعض الصف وسجد الباقون ، جاز ذلك كله ; لأن المقصود يحصل ، لكن الأولى فعل مثلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم . ومن شرط هذه الصلاة أن يكون العدو في جهة القبلة ; لأنه لا يمكن حراستهم في الصلاة إلا كذلك ، وأن يكونوا بحيث لا يخفى بعضهم على بعض ، ولا يخاف كمين لهم .
( 1454 ) فصل : الوجه الرابع ، أن يصلي بكل طائفة صلاة منفردة ، ويسلم بها ، كما روى : قال { أبو بكرة } . أخرجه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر ، فصف بعضهم خلفه ، وبعضهم بإزاء العدو ، فصلى ركعتين ، ثم سلم ، فانطلق الذين صلوا فوقفوا موقف أصحابهم ، ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ، ثم سلم ، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ، ولأصحابه ركعتان أبو داود ، . والأثرم
وهذه صفة حسنة ، قليلة الكلفة ، لا يحتاج فيها إلى مفارقة الإمام ، ولا إلى تعريف كيفية الصلاة . وهذا مذهب الحسن ، وليس فيها أكثر من أن الإمام في الثانية متنفل يؤم مفترضين .
( 1455 ) فصل : الوجه الخامس أن يصلي بالطائفة الأولى ركعتين ، ولا يسلم ، ثم تسلم الطائفة ، وتنصرف ولا تقضي شيئا . وتأتي الطائفة الأخرى ، فيصلي بها ركعتين ، ويسلم بها ، ولا تقضي شيئا . وهذا مثل الوجه الذي قبله ، إلا أنه لا يسلم في الركعتين الأوليين ; لما روى ، قال { جابر } . متفق عليه . : أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع . فذكر الحديث . قال : فنودي بالصلاة ، فصلى بطائفة ركعتين ، ثم تأخروا ، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين . قال : وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات ، وللقوم ركعتين ركعتين
وتأول هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم كصلاة الحضر ، وأن كل طائفة قضت ركعتين . وهذا ظاهر الفساد جدا ; لأنه يخالف صفة الرواية ، وقول القاضي ، ويحمله على محمل فاسد . أحمد
أما الرواية فإنه ذكر أنه صلى بكل طائفة ركعتين ، ولم يذكر قضاء ، ثم قال في آخرها : وللقوم ركعتين ركعتين . وأما قول ، فإنه قال : ستة أوجه أو سبعة ، يروى فيها ، كلها جائز . وعلى هذا التأويل لا تكون ستة ولا خمسة . ولأنه قال : كل حديث يروى في أبواب صلاة الخوف فهو جائز . وهذا مخالف لهذا التأويل . وأما فساد المحمل ، فإن الخوف يقتضي تخفيف الصلاة وقصرها ، كما قال الله تعالى : { أحمد فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } .
وعلى هذا التأويل يجعل مكان الركعتين أربعا . ويتم الصلاة المقصورة ، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتم صلاة السفر ، فكيف يحمل هاهنا على أنه أتمها ، في موضع وجد فيه ما يقتضي التخفيف .
( 1456 ) فصل : الوجه السادس ، أن يصلي بكل طائفة ركعة ، ولا تقضي شيئا ; لما روى ، قال : { ابن عباس بذي قرد صلاة الخوف ، والمشركون بينه وبين القبلة ، فصف صفا خلفه ، وصفا موازي العدو ، [ ص: 139 ] فصلى بهم ركعة ، ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ، ورجع هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ، فصلى بهم ركعة ، ثم سلم عليهم ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ، وكانت لهم ركعة ركعة . } رواه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . الأثرم
وعن ، { حذيفة } . رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بهؤلاء ركعة ، وبهؤلاء ركعة ، ولم يقضوا شيئا أبو داود . وروي مثله عن زيد بن ثابت . رواهن وأبي هريرة . وكذلك قال الأثرم أبو داود ، في " السنن " ، وهو مذهب ، ابن عباس . قال : إنما القصر ركعة عند القتال . وجابر
وقال ، طاوس ، والحسن ومجاهد ، وقتادة والحكم كذا يقولون : ركعة في شدة الخوف ، يومئ إيماء . وقال إسحاق : يجزئك عند الشدة ركعة ، تومئ إيماء ، فإن لم يقدر فسجدة واحدة ، فإن لم يقدر فتكبيرة ، لأنها ذكر لله تعالى . وعن الضحاك ، أنه قال : ركعة ، فإن لم يقدر كبر تكبيرة حيث كان وجهه .
فهذه الصلاة يقتضي عموم كلام جوازها ; لأنه ذكر ستة أوجه ، ولا أعلم وجها سادسا سواها ، وأصحابنا ينكرون ذلك . قال أحمد : لا تأثير للخوف في عدد الركعات . وهذا قول أكثر أهل العلم ; منهم القاضي ، ابن عمر ، والنخعي ، والثوري ، ومالك ، والشافعي ، وأصحابه وسائر أهل العلم من علماء الأمصار ، لا يجيزون ركعة ، والذي قال منهم ركعة ، إنما جعلها عند شدة القتال وأبو حنيفة
والذين روينا عنهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أكثرهم لم ينقصوا عن ركعتين ، لم يكن ممن يحضر النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته ، ولا يعلم ذلك إلا بالرواية عن غيره ، فالأخذ برواية من حضر الصلاة وصلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم أولى . وابن عباس