( 1762 ) فصل : ويستحب للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة  بنفسه ; ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها ، سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة . قال الإمام  أحمد    : أعجب إلى أن يخرجها ، وإن دفعها إلى السلطان . فهو جائز . 
وقال الحسن   ومكحول   وسعيد بن جبير   وميمون بن مهران  يضعها رب المال في موضعها . وقال  الثوري  احلف لهم ، وأكذبهم ، ولا تعطهم شيئا ، إذا لم يضعوها مواضعها ، وقال لا تعطهم : وقال  عطاء    : أعطهم . إذا وضعوها مواضعها . فمفهومه أنه لا يعطيهم إذا لم يكونوا كذلك . وقال الشعبي  وأبو جعفر  إذا رأيت الولاة لا يعدلون ، فضعها في أهل الحاجة من أهلها : وقال  إبراهيم  ضعوها في مواضعها ، وإن أخذها السلطان أجزأك . وقال سعيد    : أنبأنا أبو عوانة  ، عن مهاجر أبي الحسن  قال : أتيت  أبا وائل   وأبا بردة  بالزكاة وهما على بيت المال ، فأخذاها ، ثم جئت مرة أخرى ، فرأيت  أبا وائل  وحده . فقال لي : ردها فضعها مواضعها . 
وقد روي عن  أحمد  أنه قال : أما صدقة الأرض فيعجبني دفعها إلى السلطان . وأما زكاة الأموال كالمواشي ، فلا بأس أن يضعها في الفقراء والمساكين . فظاهر هذا أنه استحب دفع العشر خاصة إلى الأئمة ; وذلك لأن العشر قد ذهب قوم إلى أنه مئونة الأرض ، فهو كالخراج يتولاه الأئمة ، بخلاف سائر الزكاة . والذي رأيت في " الجامع " قال : أما صدقة الفطر ، فيعجبني دفعها إلى السلطان . 
ثم قال  أبو عبد الله  قيل  لابن عمر  إنهم يقلدون بها الكلاب ، ويشربون بها الخمور ؟ ، قال : ادفعها إليهم . وقال ابن أبي موسى   وأبو الخطاب  دفع الزكاة إلى الإمام العادل أفضل . وهو قول أصحاب  الشافعي    . 
وممن قال : يدفعها إلى الإمام ; الشعبي  ومحمد بن علي  وأبو رزين  ، والأوزاعي    ; لأن الإمام  [ ص: 267 ] أعلم بمصارفها ، ودفعها إليه يبرئه ظاهرا وباطنا ، ودفعها إلى الفقير لا يبرئه باطنا ، لاحتمال أن يكون غير مستحق لها ، ولأنه يخرج من الخلاف ، وتزول عنه التهمة . 
وكان  ابن عمر  يدفع زكاته إلى من جاءه من سعاة  ابن الزبير  ، أو نجدة الحروري    . وقد روي عن  سهيل بن أبي صالح  ، قال : أتيت  سعد بن أبي وقاص  فقلت : عندي مال ، وأريد أن أخرج زكاته ، وهؤلاء القوم على ما ترى ، فما تأمرني ؟ قال : ادفعها إليهم . فأتيت  ابن عمر  ، فقال مثل ذلك ، فأتيت  أبا هريرة  فقال مثل ذلك ، فأتيت  أبا سعيد  فقال مثل ذلك . ويروى نحوه عن عائشة  رضي الله عنها . وقال  مالك   وأبو حنيفة   وأبو عبيد    : لا يفرق الأموال الظاهرة إلا الإمام ; لقول الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها    } . 
ولأن  أبا بكر  ، طالبهم بالزكاة ، وقاتلهم عليها ، وقال : لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها . ووافقه الصحابة على هذا ، ولأن ما للإمام قبضه بحكم الولاية ، لا يجوز دفعه إلى المولى عليه ، كولي اليتيم .  وللشافعي  قولان كالمذهبين . ولنا ، على جواز دفعها بنفسه أنه دفع الحق إلى مستحقه الجائز تصرفه . 
فأجزأه ، كما لو دفع الدين إلى غريمه ، وكزكاة الأموال الباطنة ، ولأنه أحد نوعي الزكاة ، فأشبه النوع الآخر ، والآية تدل على أن للإمام أخذها . ولا خلاف فيه ، ومطالبة  أبي بكر  لهم بها ، لكونهم لم يؤدوها إلى أهلها ، ولو أدوها إلى أهلها لم يقاتلهم عليها ; لأن ذلك مختلف في إجزائه ، فلا تجوز المقاتلة من أجله ، وإنما يطالب الإمام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقيها ، فإذا دفعها إليهم جاز ; لأنهم أهل رشد ، فجاز الدفع إليهم ، بخلاف اليتيم . 
وأما وجه فضيلة دفعها بنفسه ، فلأنه إيصال الحق إلى مستحقه ، مع توفير أجر العمالة ، وصيانة حقهم ، عن خطر الخيانة ، ومباشرة تفريج كربة مستحقها ، وإغنائه بها ، مع إعطائها للأولى بها ; من محاويج أقاربه ، وذوي رحمه ، وصلة رحمه بها ، فكان أفضل ، كما لو لم يكن آخذها من أهل العدل . فإن قيل : فالكلام في الإمام العادل ، إذ الخيانة مأمونة في حقه . قلنا : الإمام لا يتولى ذلك بنفسه ، وإنما يفوضه إلى نوابه ، فلا تؤمن منهم الخيانة ، ثم ربما لا يصل إلى المستحق الذي قد علمه المالك من أهله وجيرانه شيء منها ، وهم أحق الناس بصلته وصدقته ومواساته . 
وقولهم : إن أخذ الإمام يبرئه ظاهرا وباطنا . قلنا : يبطل هذا بدفعها إلى غير العادل ; فإنه يبرئه أيضا ، وقد سلموا أنه ليس بأفضل ، ثم إن البراءة الظاهرة تكفي . وقولهم : إنه تزول به التهمة . قلنا : متى أظهرها زالت التهمة ، سواء أخرجها بنفسه ، أو دفعها إلى الإمام ، ولا يختلف المذهب أن دفعها إلى الإمام ، سواء كان عادلا أو غير عادل ، وسواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة ، ويبرأ بدفعها سواء تلفت في يد الإمام أو لم تتلف ، أو صرفها في مصارفها أو لم يصرفها ; لما ذكرنا عن الصحابة رضي الله عنهم ، ولأن الإمام نائب عنهم شرعا فبرئ بدفعها إليه ، كولي اليتيم إذا قبضها له ، ولا يختلف المذهب أيضا في أن صاحب المال يجوز أن يفرقها بنفسه . 
				
						
						
