وحكي عن أنه قال : ما أجد في كتاب الله إلا غسلتين ومسحتين . وروي عن ابن عباس أنه ذكر له قول أنس بن مالك اغسلوا القدمين ظاهرهما وباطنهما ، وخللوا ما بين الأصابع ، فإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى الخبث من قدميه . فقال الحجاج : صدق الله ، وكذب الحجاج . وتلا هذه الآية : { أنس : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } .
وحكي عن الشعبي أنه قال : الوضوء [ ص: 91 ] مغسولان وممسوحان ، فالممسوحان يسقطان في التيمم .
ولم نعلم من فقهاء المسلمين من يقول بالمسح على الرجلين غير من ذكرنا ، إلا ما حكي عن أنه قال : هو مخير بين المسح والغسل ، واحتج بظاهر الآية ، وبما روى ابن جرير قال : { ابن عباس ، } رواه توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وأدخل يده في الإناء ، فمضمض واستنشق مرة واحدة ، ثم أدخل يده ، فصب على وجهه مرة واحدة ، وصب على يديه مرة واحدة ، ومسح برأسه وأذنيه مرة واحدة ، ثم أخذ ملء كف من ماء فرش على قدميه وهو منتعل . سعيد . وقال أيضا : حدثنا أخبرنا هشيم ، عن أبيه ، قال : أخبرني يعلى بن عطاء ، أوس بن أبي أوس الثقفي ، أنه رأى { كظامة قوم بالطائف ، فتوضأ ومسح على قدميه . قال كان هذا في أول الإسلام . هشيم : } النبي صلى الله عليه وسلم أتى
ولنا أن عبد الله بن زيد ، وعثمان ، حكيا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالا : فغسل قدميه . وفي حديث عثمان : { } متفق عليه . وفي لفظ : { ثم غسل كلتا رجليه ثلاثا ، } ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثا ثلاثا ، ثم غسل اليسرى مثل ذلك .
وعن أنه { علي } وكذلك قالت حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا ثلاثا . الربيع بنت معوذ ، والبراء بن عازب ، رواهن وعبد الله بن عمر . سعيد وغيره . وعن رضي الله عنه { عمر } رواه ، أن رجلا توضأ ، فترك موضع ظفر من قدمه ، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ارجع فأحسن وضوءك . فرجع فتوضأ ثم صلى . وفي لفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم { مسلم ، } رواه رأى رجلا يصلي ، وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة . أبو داود ، قال والأثرم . ذكر الأثرم : أبو عبد الله إسناد هذا الحديث . قلت له : إسناد جيد ؟ قال : نعم .
وعن { عبد الله بن عمرو ، } وعن أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قوما يتوضئون وأعقابهم تلوح ، فقال : ويل للأعقاب من النار . عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وأبي هريرة ، } رواهن ويل للأعقاب من النار . . مسلم
وقد ذكرنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخليل الأصابع ، وأنه كان يعرك أصابعه بخنصره بعض العرك ، وهذا كله يدل على وجوب الغسل ، فإن الممسوح لا يحتاج إلى الاستيعاب والعرك . وأما الآية ، فقد روى عكرمة ، عن : أنه كان يقرأ { ابن عباس وأرجلكم } . قال : عاد إلى الغسل . وروي عن علي وابن مسعود والشعبي أنهم كانوا يقرءونها كذلك وروى ذلك كله سعيد ، وهي قراءة جماعة من القراء ، منهم ابن عامر ، فتكون معطوفة على اليدين في الغسل . ومن قرأها بالجر فللمجاورة ، كما قال وأنشدوا :
كأن ثبيرا في عرانين وبله كبير أناس في بجاد مزمل
وأنشد :وظل طهاة اللحم من بين منضج صفيف شواء أو قدير معجل
وفي كتاب الله تعالى : { إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم } . جر أليما ، وهو صفة العذاب المنصوب ، لمجاورته المجرور ، وتقول العرب : جحر ضب خرب . وإذا كان الأمر فيها محتملا [ ص: 92 ] وجب الرجوع إلى بيان النبي صلى الله عليه وسلم ويدل على صحة هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث { عمرو بن عبسة : } . فثبت بهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالغسل لا بالمسح ، ويحتمل أنه أراد بالمسح الغسل الخفيف . قال ثم غسل رجليه كما أمره الله عز وجل أبو علي الفارسي : العرب تسمي خفيف الغسل مسحا ، فيقولون : تمسحت للصلاة . أي توضأت .
وقال أبو زيد الأنصاري نحو ذلك ، وتحديده بالكعبين دليل على أنه أراد الغسل ، فإن المسح ليس بمحدود . فإن قيل : فعطفه على الرأس دليل على أنه أراد حقيقة المسح . قلنا : قد افترقا من وجوه : أحدها ، أن الممسوح في الرأس شعر يشق غسله ، والرجلان بخلاف ذلك ، فهما أشبه بالمغسولات .
والثاني أنهما محدودان بحد ينتهي إليه ، فأشبها اليدين .
والثالث : أنهما معرضتان للخبث لكونهما يوطأ بهما على الأرض ، بخلاف الرأس . وأما حديث أوس في أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على قدميه . فإنما أراد الغسل الخفيف ، وكذلك حديث ، ولذلك قال : أخذ ملء كف من ماء فرش على قدميه . والمسح يكون بالبلل لا برش الماء . فأما قول ابن عباس : وهما العظمان الناتئان . فأراد أن الكعبين . هما اللذان في أسفل الساق من جانبي القدم . وحكي عن الخرقي أنه قال : هما في مشط القدم ، وهو معقد الشراك من الرجل ، بدليل أنه قال : { محمد بن الحسن إلى الكعبين } . فيدل على أن في الرجلين كعبين لا غير ، ولو أراد ما ذكرتموه كانت كعاب الرجلين أربعة ، فإن لكل قدم كعبين .
ولنا : أن الكعاب المشهورة في العرف هي التي ذكرناها ، قال أبو عبيد : الكعب الذي في أصل القدم منتهى الساق إليه ، بمنزلة كعاب القنا ، كل عقد منها يسمى كعبا . وقد روى أبو القاسم الجدلي ، عن قال : كان أحدنا يلزق كعبه بكعب صاحبه في الصلاة ، ومنكبه بمنكب صاحبه . رواه النعمان بن بشير وقاله الخلال . البخاري
وروي { أن قريشا كانت ترمي كعبي رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه حتى تدميهما . } ومشط القدم أمامه . وقوله تعالى : إلى الكعبين حجة لنا ; فإنه أراد أن كل رجل تغسل إلى الكعبين ، إذ لو أراد كعاب جميع الأرجل لقال : الكعاب ، كما قال : { وأيديكم إلى المرافق } .