( 1862 ) فصل : ولا يجوز ولا بيعه ، في قول أكثر أهل العلم ; منهم شراء شيء من الأرض الموقوفة ، عمر ، وعلي ، وابن عباس رضي الله عنهم . وروي ذلك عن وعبد الله بن عمر عبد الله بن مغفل ، وقبيصة بن ذؤيب ، ومسلم بن مسلم ، ، وميمون بن مهران والأوزاعي ، ، ومالك . وقال وأبي إسحاق الفزاري الأوزاعي : لم يزل أئمة المسلمين ينهون عن شراء أرض الجزية ، ويكرهه علماؤهم . وقال الأوزاعي : أجمع رأي ، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ظهروا على عمر الشام ، على إقرار أهل القرى في قراهم ، على ما كان بأيديهم من أرضهم ، يعمرونها ، ويؤدون خراجها إلى المسلمين ، ويرون أنه لا يصلح لأحد من المسلمين شراء ما في أيديهم من الأرض طوعا ولا كرها .
وكرهوا ذلك مما كان من اتفاق وأصحابه في الأرضين المحبوسة على آخر هذه الأمة من المسلمين ، لا تباع ولا تورث ، قوة على جهاد من لم تظهر عليه بعد من المشركين . وقال عمر : إذا أقر الإمام أهل العنوة في أرضهم ، توارثوها وتبايعوها وروي نحو هذا عن الثوري ، ابن سيرين ; لما روى والقرطبي عبد الرحمن بن يزيد أن ، اشترى من دهقان أرضا ، على أن يكفيه جزيتها . ابن مسعود
وروي عنه أنه قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السفر في الأهل والمال } . ثم قال : فكيف بمال بزاذان ، وبكذا ، وبكذا ، وهذا يدل على أن له مالا بزاذان . ولأنها أرض لهم ، فجاز بيعها . وقد روي عن عبد الله ، أنه قال : إن كان الشراء أسهل يشتري الرجل ما يكفيه ويغنيه عن الناس ، هو رجل من المسلمين . وكره البيع في أرض السواد . وإنما رخص في الشراء - والله أعلم - لأن بعض الصحابة اشترى ، ولم يسمع عنهم البيع ، ولأن الشراء استخلاص للأرض ، فيقوم فيها مقام من كانت في يده ، والبيع أخذ عوض عن ما لا يملكه ولا يستحقه ، فلا يجوز . أحمد
ولنا : إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، فإنه روي عن رضي الله عنه أنه قال : لا تشتروا رقيق عمر أهل الذمة [ ص: 310 ] ولا أرضهم . وقال الشعبي : اشترى عتبة بن فرقد أرضا على شاطئ الفرات ، ليتخذ فيها قصبا ، فذكر ذلك ، فقال : ممن اشتريتها ؟ قال : من أربابها . فلما اجتمع لعمر المهاجرون والأنصار ، قال : هؤلاء أربابها ، فهل اشتريت منهم شيئا ؟ قال : لا . قال : فارددها على من اشتريتها منه ، وخذ مالك .
وهذا قول في عمر المهاجرين والأنصار بمحضر سادة الصحابة وأئمتهم ، فلم ينكر ، فكان إجماعا ، ولا سبيل إلى وجود إجماع أقوى من هذا وشبهه ، إذ لا سبيل إلى نقل قول جميع الصحابة في مسألة ، ولا إلى نقل قول العشرة ، ولا يوجد الإجماع إلا القول . المنتشر .
فإن قيل : فقد خالفه بما ذكرناه عنه . قلنا : لا نسلم المخالفة . وقولهم اشترى . قلنا : المراد به : اكترى . كذلك قال ابن مسعود . والدليل عليه قوله : على أن يكفيه جزيتها . ولا يكون مشتريا لها وجزيتها على غيره . وقد روى عنه أبو عبيد القاسم أنه قال : من أقر بالطسق فقد أقر بالصغار والذل . وهذا يدل على أن الشراء هاهنا الاكتراء . وكذلك كل من رويت عنه الرخصة في الشراء فمحمول على ذلك .
وقوله : فكيف بمال بزاذان . فليس فيه ذكر الشراء ، ولأن المال أرض ، فيحتمل أنه أراد مالا من السائمة أو التجارة أو الزرع . أو غيره ، ويحتمل أنه أرض أكتراها ، ويحتمل أنه أراد بذلك غيره ، وقد يعيب الإنسان الفعل المعيب من غيره . جواب ثان ، أنه يتناول الشراء ، وبقي قول في النهي عن البيع غير معارض ، وأما المعنى فلأنها موقوفة ، فلم يجز بيعها ، كسائر الأحباس والوقوف ، والدليل على وقفها النقل والمعنى ; أما النقل ، فما نقل من الأخبار ، أن عمر لم يقسم الأرض التي افتتحها ، وتركها لتكون مادة لأجناد المسلمين الذين يقاتلون في سبيل الله إلى يوم القيامة ، وقد نقلنا بعض ذلك ، وهو مشهور تغني شهرته عن نقله . عمر
وأما المعنى ، فلأنها لو قسمت لكانت للذين افتتحوها ، ثم لورثتهم ، أو لمن انتقلت إليه عنهم ، ولم تكن مشتركة بين المسلمين ، ولأنها لو قسمت ، ولم تخف بالكلية . فإن قيل : فليس في هذا ما يلزم منه الوقف ; لأنه يحتمل أنه تركها للمسلمين عامة ، فيكون فيئا للمسلمين ، والإمام نائبهم ، فيفعل ما يرى فيه المصلحة ، من بيع أو غيره ، ويحتمل أنه تركها لأربابها ، كفعل النبي صلى الله عليه وسلم بمكة . قلنا : أما الأول فلا يصح ; لأن إنما ترك قسمتها لتكون مادة للمسلمين كلهم ، ينتفعون بها ، مع بقاء أصلها ، وهذا معنى الوقف ، ولو جاز تخصيص قوم بأصلها لكان الذين افتتحوها أحق بها ، فلا يجوز أن يمنعها أهلها لمفسدة ، ثم يخص بها غيرهم مع وجود المفسدة المانعة . عمر
والثاني أظهر فسادا من الأول ، فإنه إذا منعها المسلمين المستحقين ، كيف يخص بها أهل الذمة المشركين الذين لا حق لهم ولا نصيب ؟ .