( 2091 ) مسألة : قال : ( وللمريض أن يفطر إذا كان الصوم يزيد في مرضه ، فإن تحمل وصام ، كره له ذلك ، وأجزأه ) أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة . والأصل فيه قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } هو الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه . والمرض المبيح للفطر
قيل : متى يفطر المريض ؟ قال : إذا لم يستطع . قيل : مثل الحمى ؟ قال : وأي مرض أشد من الحمى ، وحكي عن بعض لأحمد السلف أنه أباح الفطر بكل مرض ، حتى من وجع الإصبع والضرس ; لعموم الآية فيه ، ولأن المسافر يباح له الفطر وإن لم يحتج إليه ، فكذلك المريض . ولنا أنه شاهد للشهر ، لا يؤذيه الصوم ، فلزمه ، كالصحيح ، والآية مخصوصة في المسافر والمريض جميعا ، بدليل أن [ ص: 42 ] المسافر لا يباح له الفطر في السفر القصير ، والفرق بين المسافر والمريض ، أن السفر اعتبرت فيه المظنة ، وهو السفر الطويل ، حيث لم يمكن اعتبار الحكمة بنفسها ، فإن قليل المشقة لا يبيح ، وكثيرها لا ضابط له في نفسه ، فاعتبرت بمظنتها ، وهو السفر الطويل ، فدار الحكم مع المظنة وجودا وعدما ، والمرض لا ضابط له ; فإن الأمراض تختلف ، منها ما يضر صاحبه الصوم ومنها ما لا أثر للصوم فيه ، كوجع الضرس ، وجرح في الإصبع ، والدمل ، والقرحة اليسيرة ، والجرب ، وأشباه ذلك ، فلم يصلح المرض ضابطا ، وأمكن اعتبار الحكمة ، وهو ما يخاف منه الضرر ، فوجب اعتباره .
فإذا ثبت هذا ، فإن تحمل المريض وصام مع هذا ، فقد فعل مكروها ; لما يتضمنه من الإضرار بنفسه ، وتركه تخفيف الله تعالى ، وقبول رخصته ، ويصح صومه ويجزئه ; لأنه عزيمة أبيح تركها رخصة ، فإذا تحمله أجزأه ، كالمريض الذي يباح له ترك الجمعة إذا حضرها ، والذي يباح له ترك القيام في الصلاة إذا قام فيها . ( 2092 ) فصل : والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام ، كالمريض الذي يخاف زيادته في إباحة الفطر ; لأن المريض إنما أبيح له الفطر خوفا مما يتجدد بصيامه ، من زيادة المرض وتطاوله ، فالخوف من تجدد المرض في معناه .
قال في من به شهوة غالبة للجماع ، يخاف أن تنشق أنثياه ، فله الفطر . وقال في الجارية : تصوم إذا حاضت ، فإن جهدها الصوم فلتفطر ، ولتقض . يعني إذا حاضت وهي صغيرة لم تبلغ خمس عشرة سنة . قال أحمد : هذا إذا كانت تخاف المرض بالصيام ، أبيح لها الفطر ، وإلا فلا . القاضي