( 2232 ) مسألة : قال ( وحكم المرأة إذا كان لها محرم كحكم الرجل ) ظاهر هذا أن الحج لا يجب على المرأة التي لا محرم لها ; لأنه جعلها بالمحرم كالرجل في وجوب الحج ، فمن لا محرم لها لا تكون كالرجل ، فلا يجب عليها الحج . وقد نص عليه  أحمد  ، فقال أبو داود    : قلت :  لأحمد    : امرأة موسرة ، لم يكن لها محرم ، هل يجب عليها الحج ؟  قال : لا . 
وقال أيضا : المحرم من السبيل . وهذا قول الحسن  ،  والنخعي  ، وإسحاق  ،  وابن المنذر  ، وأصحاب الرأي . وعن  أحمد  ، أن المحرم من شرائط لزوم السعي دون الوجوب ، فمتى فاتها الحج بعد كمال الشرائط الخمس ، بموت ، أو مرض لا يرجى برؤه ، أخرج عنها حجة ; لأن شروط الحج المختصة به قد كملت ، وإنما المحرم لحفظها ، فهو كتخلية الطريق ، وإمكان المسير . وعنه رواية ثالثة ، أن المحرم ليس بشرط في الحج الواجب . قال  الأثرم    : سمعت  أحمد  يسأل : هل يكون الرجل محرما لأم امرأته ، يخرجها إلى الحج ؟  فقال : أما في حجة الفريضة فأرجو ; لأنها تخرج إليها مع النساء ، ومع كل من أمنته ، وأما في غيرها فلا والمذهب الأول ، وعليه العمل . 
وقال  ابن سيرين  ،  ومالك  والأوزاعي  ،  والشافعي    . ليس المحرم شرطا في حجها بحال . قال  ابن سيرين    : تخرج مع رجل من المسلمين ، لا بأس به . 
وقال  مالك    : تخرج مع جماعة النساء . وقال  الشافعي    : تخرج مع حرة مسلمة ثقة . وقال الأوزاعي    : تخرج مع قوم عدول ، تتخذ سلما تصعد عليه وتنزل ، ولا يقربها رجل ، إلا أنه يأخذ رأس البعير ، وتضع رجلها على ذراعه . قال  ابن المنذر    : تركوا القول بظاهر الحديث ، واشترط كل واحد منهم شرطا لا حجة معه عليه ، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة ، وقال  لعدي بن حاتم    : { يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة  تؤم البيت  ، لا جوار معها ، لا تخاف إلا الله   } . ولأنه سفر واجب ، فلم يشترط له المحرم ، كالمسلمة إذا تخلصت من أيدي الكفار . 
ولنا ، ما روى  أبو هريرة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ، تسافر مسيرة  [ ص: 98 ] يوم ، إلا ومعها ذو محرم   } . وعن  ابن عباس  ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يخلون رجل بامرأة ، إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم . فقام رجل فقال : يا رسول الله ، إني كنت في غزوة كذا ، وانطلقت امرأتي حاجة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : انطلق فاحجج مع امرأتك   } . متفق عليهما . وروى  ابن عمر  ،  وأبو سعيد  ، نحوا من حديث  أبي هريرة    . 
قال  أبو عبد الله    : أما  أبو هريرة    : فيقول : ( يوما وليلة ) . ويروى عن  أبي هريرة    : ( لا تسافر سفرا ) أيضا . 
وأما حديث  أبي سعيد  يقول : ( ثلاثة أيام ) . قلت : ما تقول أنت ؟ قال : لا تسافر سفرا قليلا ولا كثيرا ، إلا مع ذي محرم . وروى  الدارقطني  بإسناده عن  ابن عباس  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم   } . وهذا صريح في الحكم . ولأنها أنشأت سفرا في دار الإسلام ; فلم يجز بغير محرم ، كحج التطوع . 
وحديثهم محمول على الرجل ، بدليل أنهم اشترطوا خروج غيرها معها ، فجعل ذلك الغير المحرم الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثنا أولى مما اشترطوه بالتحكم من غير دليل . ويحتمل أنه أراد أن الزاد والراحلة يوجب الحج ، مع كمال بقية الشروط ، ولذلك اشترطوا تخلية الطريق ، وإمكان المسير ، وقضاء الدين ، ونفقة العيال ، واشترط  مالك  إمكان الثبوت على الراحلة ، وهي غير مذكورة في الحديث . 
واشترط كل واحد منهم في محل النزاع شرطا من عند نفسه ، لا من كتاب ولا من سنة ، فما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاشتراط ، ولو قدر التعارض ، فحديثنا أخص وأصح وأولى بالتقديم ، وحديث عدي  يدل على وجود السفر ، لا على جوازه ، ولذلك لم يجز في غير الحج المفروض ، ولم يذكر فيه خروج غيرها معها ، وقد اشترطوا هاهنا خروج غيرها معها . 
وأما الأسيرة إذا تخلصت من أيدي الكفار ، فإن سفرها سفر ضرورة ، لا يقاس عليه حالة الاختيار ، ولذلك تخرج فيه وحدها ; ولأنها تدفع ضررا متيقنا بتحمل الضرر المتوهم ، فلا يلزم تحمل ذلك من غير ضرر أصلا . 
				
						
						
