( 2266 ) مسألة : قال : ( وأهل مكة  إذا أرادوا العمرة ، فمن الحل ، وإذا أرادوا الحج ، فمن مكة    ) أهل مكة  ، من كان بها ، سواء كان مقيما بها أو غير مقيم ; لأن كل من أتى على ميقات كان ميقاتا له ، فكذلك كل من كان بمكة   فهي ميقاته للحج ; وإن أراد العمرة فمن الحل . لا نعلم في هذا خلافا . ولذلك { أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر  أن يعمر  عائشة  من التنعيم    } . متفق عليه . وكانت بمكة  يومئذ ، والأصل في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { حتى أهل مكة  يهلون منها   } يعني للحج . 
وقال أيضا : ( ومن كان أهله دون الميقات فمن حيث ينشئ ، حتى يأتي ذلك على أهل مكة    ) . وهذا في الحج . فأما في العمرة فميقاتها في حقهم الحل ، من أي جوانب الحرم  شاء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعمار  عائشة  من التنعيم  ، وهو أدنى الحل إلى مكة    . 
وقال  ابن سيرين    : بلغني { أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل مكة  التنعيم    } . وقال  ابن عباس    : يا أهل مكة  ، من أتى منكم العمرة ، فليجعل بينه وبينها بطن محسر    . يعني إذا أحرم بها من ناحية المزدلفة    . وإنما لزم الإحرام من الحل ، ليجمع في النسك بين الحل والحرم ، فإنه لو أحرم من الحرم ، لما جمع بينهما فيه ، لأن أفعال العمرة كلها في الحرم ، بخلاف الحج ، فإنه يفتقر إلى الخروج إلى عرفة  ، فيجتمع له الحل والحرم ، والعمرة بخلاف ذلك . ومن أي الحل أحرم جاز . 
وإنما أعمر النبي صلى الله عليه وسلم  عائشة  من التنعيم    ; لأنها أقرب الحل إلى مكة    . وقد روي عن  أحمد  ، في المكي ، كلما تباعد في العمرة فهو أعظم للأجر ، هي على قدر تعبها . 
وأما إن أراد المكي الإحرام بالحج ، فمن مكة    ; للخبر الذي ذكرنا ، ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما فسخوا الحج ، أمرهم فأحرموا من مكة    . قال  جابر    : { أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما حللنا ، أن نحرم إذا توجهنا من الأبطح    } . رواه  مسلم    . وهذا يدل على أنه لا فرق بين قاطني مكة  وبين غيرهم ممن هو بها ، كالمتمتع إذا حل ، ومن فسخ حجه بها . 
ونقل عن  أحمد  فيمن اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة   ، أنه يهل بالحج من الميقات ، فإن لم يفعل ، فعليه دم . والصحيح خلاف هذا ; لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة . ويحتمل أن  أحمد  إنما أراد أن المتمتع يسقط عنه الدم إذا خرج إلى الميقات ، ولا يسقط إذا أحرم من مكة    . 
وهذا في غير المكي ، أما المكي فلا يجب عليه دم متعة بحال ; لقول الله تعالى : { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام     } . وذكر  القاضي  في من دخل مكة  يحج عن غيره ، ثم أراد أن يعتمر بعده لنفسه  ، أو دخل يحج لنفسه ، ثم أراد أن يعتمر لغيره ، أو دخل  [ ص: 112 ] بعمرة لنفسه ، ثم أراد أن يحج أو يعتمر لغيره ، أو دخل بعمرة لغيره ، ثم أراد أن يحج أو يعتمر لنفسه ، أنه في جميع ذلك يخرج إلى الميقات ، فيحرم منه ، فإن لم يفعل ، فعليه دم . 
قال : وقد قال  أحمد    : في رواية عبد الله    : إذا اعتمر عن غيره ، ثم أراد الحج لنفسه ، يخرج إلى الميقات ، أو اعتمر عن نفسه ، يخرج إلى الميقات ، وإن دخل مكة  بغير إحرام ، ثم أراد الحج ، يخرج إلى الميقات . واحتج له  القاضي  ، بأنه جاوز الميقات مريدا للنسك ، غير محرم لنفسه ، فلزمه دم إذا أحرم دونه ، كمن جاوز الميقات غير محرم . 
وعلى هذا لو حج عن شخص واعتمر عن آخر ، أو اعتمر عن إنسان ثم حج أو اعتمر عن آخر ، فكذلك . وظاهر كلام  الخرقي  أنه لا يلزمه الخروج إلى الميقات في هذا كله ; لما ذكرنا من أن كل من كان بمكة  كالقاطن بها ، وهذا حاصل بمكة  على وجه مباح ، فأشبه المكي . 
وما ذكره القاضي تحكم لا يدل عليه خبر ، ولا يشهد له أثر ، وما ذكره من المعنى فاسد لوجوه : أحدها ، أنه لا يلزم أن يكون مريدا للنسك عن نفسه حال مجاوزة الميقات ، فإنه قد يبدو له بعد ذلك . الثاني ، أن هذا لا يتناول من أحرم عن غيره . الثالث ، أنه لو وجب بهذا الخروج إلى الميقات ، للزم المتمتع والمفرد ; لأنهما تجاوزا الميقات ، مريدين لغير النسك الذي أحرما به . الرابع ، أن المعنى في الذي يجاوز الميقات غير محرم ، أنه فعل ما لا يحل له فعله ، وترك الإحرام الواجب عليه في موضعه ، فأحرم من دونه . 
				
						
						
