( 2772 ) فصل : وكلام  الخرقي  يحتمل أن يريد به بيوع الأعيان المرئية  ، فلا يكون فيه تعرض لبيع الغائب ، ويحتمل أنه أراد كل ما يسمى خيارا ، فيدخل فيه خيار الرؤية وغيره . وفي بيع الغائب  روايتان ; أظهرهما ، أن الغائب الذي لم يوصف ، ولم تتقدم رؤيته لا يصح بيعه . وبهذا قال الشعبي  ،  والنخعي  ، والحسن  ، والأوزاعي  ،  ومالك  ، وإسحاق    . وهو أحد قولي  الشافعي    . وفي رواية أخرى ، أنه يصح . وهو مذهب  أبي حنيفة  ، والقول الثاني  للشافعي    . وهل يثبت للمشتري خيار الرؤية  ؟ على روايتين ; أشهرهما ثبوته . وهو قول  أبي حنيفة    . 
واحتج من أجازه بعموم قول الله تعالى : { وأحل الله البيع    } . وروي عن  عثمان  ،  وطلحة  ، أنهما تبايعا داريهما بالكوفة  ، والأخرى بالمدينة  ، فقيل  لعثمان    : إنك قد غبنت ، فقال : ما أبالي ; لأني بعت ما لم أره . وقيل  لطلحة  ، فقال : لي الخيار ; لأنني اشتريت ما لم أره . فتحاكما إلى  جبير  ، فجعل الخيار  لطلحة    . وهذا اتفاق منهم على صحة البيع ، ولأنه عقد معاوضة ، فلم تفتقر صحته إلى رؤية المعقود عليه ، كالنكاح . 
ولنا ، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه { نهى عن بيع الغرر   } . رواه  مسلم  ولأنه باع ما لم يره ولم يوصف له ، فلم يصح ، كبيع النوى في التمر ، ولأنه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع ، كالسلم ، والآية مخصوصة بالأصل الذي ذكرناه . 
وأما حديث  عثمان   وطلحة  ، فيحتمل أنهما تبايعا بالصفة ، على أنه قول صحابي ، وفي كونه حجة خلاف ، ولا يعارض به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والنكاح لا يقصد منه المعاوضة ، ولا يفسد بفساد العوض ، ولا يترك ذكره ، ولا يدخله شيء من الخيارات . 
وفي اشتراط الرؤية مشقة على المخدرات وإضرار بهن . على أن الصفات التي تعلم بالرؤية ليست هي المقصودة بالنكاح ، فلا يضر الجهل بها بخلاف البيع . فإن قيل : فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه   } . والخيار لا يثبت إلا في عقد صحيح . قلنا : هذا يرويه عمر بن إبراهيم الكردي  ، وهو متروك الحديث . ويحتمل أنه بالخيار بين العقد عليه وتركه . إذا ثبت هذا ، فإنه يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع ، كداخل الثوب ، وشعر الجارية ، ونحوهما . فلو باع ثوبا مطويا ، أو عينا حاضرة ، لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله ، كان كبيع الغائب . 
وإن حكمنا بالصحة ، فللمشتري الخيار عند رؤية المبيع في الفسخ والإمضاء ، ويكون على الفور ، فإن اختار الفسخ فله ذلك ، وإن لم  [ ص: 16 ] يفسخ لزم العقد ; لأن الخيار خيار الرؤية ، فوجب أن يكون عندها . وقيل : يتقيد بالمجلس الذي وجدت الرؤية فيه ; لأنه خيار ثبت بمقتضى العقد من غير شرط ، فتقيد بالمجلس كخيار المجلس . وإن اختار الفسخ قبل الرؤية انفسخ ; لأن العقد غير لازم في حقه ، فملك الفسخ ، كحالة الرؤية . 
وإن اختار إمضاء العقد ، لم يلزم ; لأن الخيار يتعلق بالرؤية ، ولأنه يؤدي إلى إلزام العقد على المجهول ، فيفضي إلى الضرر ، وكذلك لو تبايعا بشرط أن لا يثبت الخيار للمشتري  ، لم يصح الشرط لذلك . وهل يفسد البيع بهذا الشرط ؟ على وجهين ، بناء على الشروط الفاسدة في البيع . 
				
						
						
