( 2946 ) مسألة ; قال : ( وإذا وقع البيع على مكيل ، أو على موزون ، أو معدود ، فتلف قبل قبضه  ، فهو من مال البائع ) .  [ ص: 88 ] ظاهر كلام  الخرقي  أن المكيل ، والموزون ، والمعدود ، لا يدخل في ضمان المشتري إلا بقبضه ، سواء كان متعينا ، كالصبرة ، أو غير متعين ، كقفيز منها . وهو ظاهر كلام  أحمد    . ونحوه قول إسحاق    . 
وروي عن  عثمان بن عفان  ،  وسعيد بن المسيب  ، والحسن  ، والحكم  ،  وحماد بن أبي سليمان  ، أن كل ما بيع على الكيل والوزن لا يجوز بيعه قبل قبضه ، وما ليس بمكيل ولا موزون يجوز بيعه قبل قبضه . وقال  القاضي  وأصحابه : المراد بالمكيل ، والموزون ، والمعدود ، ما ليس بمتعين منه ، كالقفيز من صبرة ، والرطل من زبرة ، ومكيلة زيت من دن ، فأما المتعين ، فيدخل في ضمان المشتري ، كالصبرة يبيعها من غير تسمية كيل . 
وقد نقل عن  أحمد  ما يدل على قولهم ، فإنه قال في رواية أبي الحارث  ، في رجل اشترى طعاما ، فطلب من يحمله ، فرجع وقد احترق الطعام  ، فهو من مال المشتري ، واستدل بحديث  ابن عمر    : ما أدركت الصفقة حيا مجموعا ، فهو من مال المشتري . وذكر الجوزجاني   عنه  في من اشترى ما في السفينة صبرة ، ولم يسم كيلا ، فلا بأس أن يشرك فيها ، ويبيع ما شاء ، إلا أن يكون بينهما كيل ، فلا يولي حتى يكال عليه . 
ونحو هذا قال  مالك  ، فإنه قال : ما بيع من الطعام مكايلة ، أو موازنة ، لم يجز بيعه قبل قبضه ، وما بيع مجازفة ، أو بيع من غير الطعام مكايلة ، أو موازنة ، جاز بيعه قبل قبضه . ووجه ذلك ، ما روى الأوزاعي  ، عن الزهري  ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر  ، أنه سمع  عبد الله بن عمر  يقول : { مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا ، فهو من مال المبتاع   } . رواه  البخاري  ، عن  ابن عمر  من قوله تعليقا . 
وقول الصحابي مضت السنة . يقتضي سنة النبي صلى الله عليه وسلم . ولأن المبيع المعين لا يتعلق به حق توفية ، فكان من مال المشتري ، كغير المكيل والموزون . ونقل عن  أحمد  ، أن المطعوم لا يجوز بيعه قبل قبضه ، سواء كان مكيلا ، أو موزونا ، أو لم يكن . وهذا يقتضي أن الطعام خاصة لا يدخل في ضمان المشتري حتى يقبضه ، فإن الترمذي  روى عن  أحمد  ، أنه أرخص في بيع ما لا يكال ولا يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب قبل قبضه .  وقال  الأثرم    : سألت  أبا عبد الله  عن 
قوله : نهى عن ربح ما لم يضمن . قال : هذا في الطعام وما أشبهه من مأكول أو مشروب ، فلا يبيعه حتى يقبضه . قال  ابن عبد البر    : الأصح عن  أحمد بن حنبل  أن الذي يمنع من بيعه قبل قبضه هو الطعام ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه . فمفهومه إباحة بيع ما سواه قبل قبضه . وروى  ابن عمر  ، قال {   : رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم   } . وهذا نص في بيع المعين . وعموم قوله عليه السلام {   : من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه   } . متفق عليهما .  ولمسلم  عن  ابن عمر  قال {   : كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه   } . 
وقال  ابن المنذر    : أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه ، ولو دخل في ضمان المشتري ، جاز له بيعه والتصرف فيه ، كما بعد القبض . 
وهذا يدل على تعميم المنع في كل طعام ، مع تنصيصه على المبيع مجازفة بالمنع ، وهو خلاف قول  القاضي  وأصحابه ، ويدل بمفهومه على أن ما عدا الطعام يخالفه في ذلك . ووجه قول  الخرقي  أن الطعام المنهي عن بيعه قبل قبضه لا يكاد يخلو من كونه مكيلا ، أو موزونا ، أو معدودا ، فتعلق الحكم بذلك كتعلق ربا الفضل به ، ويحتمل أنه أراد المكيل ، والموزون ، والمعدود من الطعام  [ ص: 89 ] الذي ورد النص بمنع بيعه ، وهذا أظهر دليلا وأحسن . 
إذا ثبت هذا ، فإنه إن تلف المبيع من ذلك قبل قبضه بآفة سماوية ، بطل العقد ، ورجع المشتري بالثمن . وإن تلف بفعل المشتري ، استقر الثمن عليه ، وكان كالقبض ; لأنه تصرف فيه . وإن أتلفه أجنبي ، لم يبطل العقد ، على قياس قوله في الجائحة ، ويثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن ; لأن التلف حصل في يد البائع ، فهو كحدوث العيب في يده ، وبين البقاء على العقد ، ومطالبة المتلف بالمثل إن كان مثليا . وبهذا قال  الشافعي  ، ولا أعلم فيه مخالفا . وإن أتلفه البائع ، فقال أصحابنا : الحكم فيه كما لو أتلفه أجنبي ; لأنه أتلفه من يلزمه ضمانه ، فأشبه ما لو أتلفه أجنبي . 
وقال  الشافعي    : ينفسخ العقد ، ويرجع المشتري بالثمن لا غير ; لأنه تلف يضمنه به البائع ، فكان الرجوع عليه بالثمن كالتلف بفعل الله تعالى . وفرق أصحابنا بينهما بكونه إذا تلف بفعل الله تعالى ، لم يوجد مقتض للضمان سوى حكم العقد ، بخلاف ما إذا أتلفه ، فإن إتلافه يقتضي الضمان بالمثل ، وحكم العقد يقتضي الضمان بالثمن ، فكانت الخيرة إلى المشتري في التضمين بأيهما شاء . 
				
						
						
