( 3107 ) مسألة ; قال ( ونهي عن تلقي الركبان    ) فإن تلقوا ، واشتري منهم ، فهم بالخيار إذا دخلوا السوق ، وعرفوا أنهم قد غبنوا إن أحبوا أن يفسخوا البيع فسخوا . روي أنهم كانوا يتلقون الأجلاب ، فيشترون منهم الأمتعة قبل أن تهبط الأسواق ، فربما غبنوهم غبنا بينا ، فيضرونهم ، وربما أضروا بأهل البلد ; لأن الركبان إذا وصلوا باعوا أمتعتهم ، والذين يتلقونهم لا يبيعونها سريعا ، ويتربصون بها السعر ، فهو في معنى بيع الحاضر للبادي ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك . 
وروى  طاوس  عن أبيه عن  ابن عباس  قال : قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { لا تلقوا الركبان ، ولا يبع حاضر لباد   } وعن  أبي هريرة  مثله ، متفق عليهما ، وكرهه أكثر أهل العلم ، منهم  عمر بن عبد العزيز   ومالك   والليث  والأوزاعي   والشافعي  وإسحاق    . 
وحكي عن  أبي حنيفة  أنه لم ير بذلك بأسا . وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع . فإن خالف ، وتلقى الركبان ، واشترى منهم ، فالبيع صحيح في قول الجميع . وقاله  ابن عبد البر    . وحكي عن  أحمد  رواية أخرى ، أن البيع فاسد لظاهر النهي . 
والأول أصح ; لأن  أبا هريرة  روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا تلقوا الجلب ، فمن تلقاه ، واشترى منه ، فإذا أتى السوق فهو بالخيار   } ، رواه  مسلم  ، والخيار لا يكون إلا في عقد صحيح ، ولأن النهي لا لمعنى في البيع ، بل يعود إلى ضرب من الخديعة يمكن استدراكها بإثبات الخيار ، فأشبه بيع المصراة ، وفارق بيع الحاضر للبادي ، فإنه لا يمكن استدراكه بالخيار ، إذ ليس الضرر عليه ، إنما هو على المسلمين . فإذا تقرر هذا ، فللبائع الخيار إذا علم أنه قد غبن . وقال أصحاب الرأي : لا خيار له . 
وقد روينا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا ، ولا قول لأحد مع قوله . وظاهر المذهب أنه لا خيار له إلا مع الغبن ; لأنه إنما ثبت لأجل الخديعة ودفع الضرر ، ولا ضرر مع عدم الغبن . وهذا ظاهر مذهب الشافعي  ، ويحمل إطلاق الحديث في إثبات الخيار على هذا ; لعلمنا بمعناه ومراده ; لأنه معنى يتعلق الخيار بمثله ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار إذا أتى السوق ، فيفهم منه أنه أشار إلى معرفته بالغبن في السوق ، ولولا ذلك لكان الخيار له من حين البيع . ولم يقدر  الخرقي  الغبن المثبت للخيار ، وينبغي أن يتقيد بما يخرج عن العادة ; لأن ما دون ذلك لا ينضبط . 
وقال أصحاب  مالك    : إنما نهي عن تلقي الركبان لما يفوت به من الرفق لأهل السوق ، لئلا يقطع عنهم ما له جلسوا من ابتغاء فضل الله تعالى . قال ابن القاسم   [ ص: 153 ] فإن تلقاها متلق ، فاشتراها ، عرضت على أهل السوق ، فيشتركون فيها . وقال  الليث بن سعد    : تباع في السوق . وهذا مخالف لمدلول الحديث ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيار للبائع إذا دخل السوق ، ولم يجعلوا له خيارا ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الخيار له يدل على أن النهي عن تلقي الركبان لحقه ، لا لحق غيره . ولأن الجالس في السوق كالمتلقي ، في أن كل واحد منهما مبتغ لفضل الله تعالى ، فلا يليق بالحكمة فسخ عقد أحدهما ، وإلحاق الضرر به ، دفعا للضرر عن مثله ، وليس رعاية حق الجالس أولى من رعاية حق المتلقي ولا يمكن اشتراك أهل السوق كلهم في سلعته ، فلا يعرج على مثل هذا . والله أعلم . 
				
						
						
