( 3628 ) فصل : ولا خلاف في أنه يجوز جعل رأس المال الدراهم والدنانير  ، فإنهما قيم الأموال وأثمان البياعات ، والناس يشتركون بها من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمننا من غير نكير . فأما العروض ، فلا تجوز الشركة فيها ، في ظاهر المذهب . 
نص عليه  أحمد  ، في رواية أبي طالب  وحرب    . وحكاه عنه  ابن المنذر    . 
وكره ذلك  ابن سيرين  ،  ويحيى بن أبي كثير   والثوري  ،  والشافعي  وإسحاق  ،  وأبو ثور  ، وأصحاب الرأي ; لأن الشركة إما أن تقع على أعيان العروض أو قيمتها أو أثمانها ، لا يجوز وقوعها على أعيانها ; لأن الشركة تقتضي الرجوع عند المفاصلة برأس المال أو بمثله ، وهذه لا مثل لها ، فيرجع إليه ، وقد تزيد قيمة جنس أحدهما دون الآخر ، فيستوعب بذلك  [ ص: 11 ] جميع الربح أو جميع المال ، وقد تنقص قيمته ، فيؤدي إلى أن يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح ، ولا على قيمتها ; لأن القيمة غير متحققة القدر ، فيفضي إلى التنازع ، وقد يقوم الشيء بأكثر من قيمته ، ولأن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه ، فيشاركه الآخر في العين المملوكة له ، ولا يجوز وقوعها على أثمانها ; لأنها معدومة حال العقد ولا يملكانها ، ولأنه إن أراد ثمنها الذي اشتراها به ، فقد خرج عن ملكه وصار للبائع ، وإن أراد ثمنها الذي يبيعها به ، فإنها تصير شركة معلقة على شرط ، وهو بيع الأعيان ، ولا يجوز ذلك . 
وعن  أحمد  رواية أخرى ، أن الشركة والمضاربة تجوز بالعروض ، وتجعل قيمتها وقت العقد رأس المال . قال  أحمد    : إذا اشتركا في العروض ، يقسم الربح على ما اشترطا . وقال  الأثرم    : سمعت  أبا عبد الله  يسأل عن المضاربة بالمتاع ؟ فقال : جائز . فظاهر هذا صحة الشركة بها . 
اختار هذا أبو بكر  ،  وأبو الخطاب    . وهو قول  مالك  ،  وابن أبي ليلى    . وبه قال في المضاربة  طاوس  ، والأوزاعي  ،  وحماد بن أبي سليمان    ; لأن مقصود الشركة جواز تصرفها في المالين جميعا ، وكون ربح المالين بينهما ، وهذا يحصل في العروض كحصوله في الأثمان ، فيجب أن تصح الشركة والمضاربة بها ، كالأثمان . ويرجع كل واحد منهما عند المفاصلة بقيمة ماله عند العقد ، كما أننا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها . وقال  الشافعي    : إن كانت العروض من ذوات الأمثال ; كالحبوب والأدهان ، جازت الشركة بها ، في أحد الوجهين ; لأنها من ذوات الأمثال ، أشبهت النقود ، ويرجع عند المفاصلة بمثلها . 
وإن لم تكن من ذوات الأمثال ، لم يجز ، وجها واحدا ; لأنه لا يمكن الرجوع بمثلها . ولنا ، أنه نوع شركة ، فاستوى فيها ماله مثل من العروض وما لا مثل له ، كالمضاربة ، وقد سلم أن المضاربة لا تجوز بشيء من العروض ، ولأنها ليست بنقد ، فلم تصح الشركة بها ، كالذي لا مثل له . 
( 3629 ) فصل : والحكم في النقرة كالحكم في العروض    ; لأن قيمتها تزيد وتنقص ، فهي كالعروض . وكذلك الحكم في المغشوش من الأثمان  ، قل الغش أو كثر . 
وبهذا قال  الشافعي    . وقال  أبو حنيفة  إن كان الغش أقل من النصف ، جاز ، وإن كثر ، لم يجز ; لأن الاعتبار بالغالب في كثير من الأصول . ولنا ، أنها مغشوشة ، فأشبه ما لو كان الغش أكثر ، ولأن قيمتها تزيد وتنقص ، أشبهت العروض . وقولهم : الاعتبار بالغالب . ليس بصحيح ; فإن الفضة إذا كانت أقل ، لم يسقط حكمها في الزكاة ، وكذلك الذهب ، اللهم إلا أن يكون الغش قليلا جدا لمصلحة النقد ، كيسير الفضة في الدينار ، مثل الحبة ونحوها ، فلا اعتبار به ، لأنه لا يمكن التحرز منه ، ولا يؤثر في الربا ، ولا في غيره . 
				
						
						
