وجملة ذلك أن الشفعة تثبت على خلاف الأصل ، إذ هي انتزاع ملك المشتري بغير رضاء منه ، وإجبار له على المعاوضة ، مع ما ذكره الأصم ، لكن أثبتها الشرع لمصلحة راجحة ، فلا تثبت إلا بشروط أربعة : أحدها ، أن يكون الملك مشاعا غير مقسوم .
فأما الجار فلا شفعة له ، وبه قال ، عمر ، وعثمان ، وعمر بن عبد العزيز ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار والزهري ، ، ويحيى الأنصاري ، وأبو الزناد ، وربيعة والمغيرة بن عبد الرحمن ، ، ومالك والأوزاعي ، ، والشافعي وإسحاق ، ، وأبو ثور ، وقال وابن المنذر ، ابن شبرمة ، والثوري ، وأصحاب الرأي : الشفعة بالشركة ، ثم بالشركة في الطريق ، ثم بالجوار ، وقال وابن أبي ليلى : يقدم الشريك ، فإن لم يكن ، وكان الطريق مشتركا ، كدرب لا ينفذ ، تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب ، الأقرب فالأقرب ، فإن لم يأخذوا ، ثبتت للملاصق من درب آخر خاصة . أبو حنيفة
وقال العنبري ، : تثبت بالشركة في المال ، وبالشركة في الطريق . [ ص: 179 ] واحتجوا بما روى وسوار أبو رافع ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } . رواه الجار أحق بصقبه البخاري وأبو داود . وروى الحسن ، عن سمرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } . رواه جار الدار أحق بالدار الترمذي . وقال : حديث حسن صحيح . وروى الترمذي في حديث : { جابر } . وقال حديث حسن . الجار أحق بداره بشفعته ينتظر به إذا كان غائبا ، إذا كان طريقهما واحدا
ولأنه اتصال ملك يدوم ويتأبد ، فتثبت الشفعة به ، كالشركة .
ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم { } . وروى : الشفعة فيما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود ، وصرفت الطرق ، فلا شفعة ، عن ابن جريج الزهري ، عن ، أو عن سعيد بن المسيب ، أو عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي سلمة } . رواه إذا قسمت الأرض ، وحدت ، فلا شفعة فيها أبو داود . ولأن الشفعة ثبتت في موضع الوفاق على خلاف الأصل ، لمعنى معدوم في محل النزاع ، فلا تثبت فيه ، وبيان انتفاء المعنى ، هو أن الشريك ربما دخل عليه شريك ، فيتأذى به ، فتدعوه الحاجة إلى مقاسمته أو يطلب الداخل المقاسمة ، فيدخل الضرر على الشريك بنقص قيمة ملكه ، وما يحتاج إلى إحداثه من المرافق ، وهذا لا يوجد في المقسوم .
فأما حديث أبي رافع ، فليس بصريح في الشفعة ، فإن الصقب القرب . يقال بالسين والصاد . قال الشاعر :
كوفية نازح محلتها لا أمم دارها ولا صقب
فيحتمل أنه أراد بإحسان جاره وصلته وعيادته ونحو ذلك . وخبرنا صريح صحيح ، فيقدم ، وبقية الأحاديث في أسانيدها مقال . فحديث سمرة يرويه عنه الحسن ، ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة . قاله أصحاب الحديث .قال : الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ابن المنذر ، الذي رويناه ، وما عداه من الأحاديث فيها مقال . على أنه يحتمل أنه أراد بالجار الشريك ; فإنه جار أيضا ، ويسمى كل واحد من الزوجين جارا ، قال الشاعر : جابر
أجارتنا بيني فإنك طالقه كذاك أمور الناس غاد وطارقه
وتسمى الضرتان جارتين ; لاشتراكهما في الزوج . قال حمل بن مالك : كنت بين جارتين لي ، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح ، فقتلتها وجنينها . وهذا يمكن في تأويل حديث أبي رافع أيضا . إذا ثبت هذا ، فلا فرق بين كون الطريق مفردة أو مشتركة .
قال ، في رواية أحمد ابن القاسم ، في رجل له أرض تشرب هي وأرض غيره من نهر واحد : ولا شفعة له من أجل الشرب ، إذا وقعت الحدود فلا شفعة .
وقال ، في رواية أبي طالب ، وعبد الله ، ومثنى ، في من لا يرى الشفعة بالجوار ، وقدم إلى الحاكم فأنكر : لم يحلف إنما هو اختيار ، وقد اختلف الناس فيه ، قال : إنما هذا لأن يمين المنكر هاهنا على القطع والبت ، ومسائل الاجتهاد مظنونة ، فلا يقطع ببطلان مذهب المخالف ، ويمكن أن يحمل كلام القاضي هاهنا على الورع ، لا على التحريم ; [ ص: 180 ] لأنه يحكم ببطلان مذهب المخالف . ويجوز للمشتري الامتناع به من تسليم المبيع ، فيما بينه وبين الله تعالى . أحمد