( 4015 ) فصل : الشرط الرابع ، أن يكون الشقص منتقلا بعوض ، وأما ، كالهبة بغير ثواب ، والصدقة ، والوصية ، والإرث ، فلا شفعة فيه ، في قول عامة أهل العلم ; منهم المنتقل بغير عوض ، مالك ، وأصحاب الرأي . والشافعي
وحكي عن رواية أخرى في المنتقل بهبة أو صدقة ، أن فيه الشفعة ، ويأخذه الشفيع بقيمته . وحكي ذلك عن مالك ; لأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر الشركة ، وهذا موجود في الشركة كيفما كان ، والضرر اللاحق بالمتهب دون ضرر المشتري ; لأن إقدام المشتري على شراء الشقص ، وبذله ماله فيه ، دليل حاجته إليه ، فانتزاعه منه أعظم ضررا من أخذه ممن لم يوجد منه دليل الحاجة إليه . ولنا ، أنه انتقل بغير عوض ، أشبه الميراث ، ولأن محل الوفاق هو البيع ، والخبر ورد فيه ، وليس غيره في معناه ; لأن الشفيع يأخذه من المشتري بمثل السبب الذي انتقل به إليه ، ولا يمكن هذا في غيره ، ولأن الشفيع يأخذ الشقص بثمنه ، لا بقيمته ، وفي غيره يأخذه بقيمته ، فافترقا . ابن أبي ليلى
فأما المنتقل بعوض فينقسم قسمين ; أحدهما ، بغير خلاف ، وهو في حديث ما عوضه المال ، كالبيع ، فهذا فيه الشفعة ، فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به . وكذلك كل عقد جرى مجرى البيع ، كالصلح بمعنى البيع ، والصلح عن الجنايات الموجبة للمال ، والهبة المشروط فيها ثواب معلوم ; لأن ذلك بيع ثبتت فيه أحكام البيع ، وهذا منها . وبه يقول جابر ، مالك ، وأصحاب الرأي ، إلا أن والشافعي وأصحابه قالوا : لا تثبت أبا حنيفة حتى يتقابضا ; لأن الهبة لا تثبت إلا بالقبض ، فأشبهت البيع بشرط الخيار . الشفعة في الهبة المشروط فيها ثواب
ولنا ، أنه يملكها بعوض هو مال ، فلم يفتقر إلى القبض في استحقاق الشفعة ، كالبيع ، ولا يصح ما قالوه من اعتبار لفظ الهبة ; لأن العوض صرف اللفظ عن مقتضاه ، وجعله عبارة عن البيع ، خاصة عندهم ، فإنه ينعقد بها النكاح الذي لا تصح الهبة فيه بالاتفاق .
القسم الثاني ، ما انتقل بعوض غير المال ، نحو أن يجعل الشقص مهرا ، أو عوضا في الخلع ، أو في الصلح عن دم العمد ، فظاهر كلام أنه لا شفعة فيه ; لأنه لم يتعرض في جميع مسائله لغير البيع . وهذا قول الخرقي أبي بكر . وبه قال الحسن ، والشعبي ، ، وأصحاب الرأي ، حكاه عنهم وأبو ثور ، واختاره . ابن المنذر
وقال ابن حامد : تجب فيه الشفعة . وبه قال ، ابن شبرمة والحارث العكلي ، ، ومالك ، وابن أبي ليلى . ثم اختلفوا بم يأخذه ؟ فقال والشافعي ، ابن شبرمة : يأخذ الشقص بقيمته . قال وابن أبي ليلى : هو قياس قول القاضي ابن حامد ; لأننا لو أوجبنا مهر المثل ، لقومنا البضع على الأجانب ، وأضررنا بالشفيع ; لأن مهر المثل يتفاوت مع المسمى ، لتسامح الناس فيه في العادة ، بخلاف البيع .
وقال الشريف أبو جعفر ، قال ابن حامد : إن كان الشقص صداقا ، أو عوضا في خلع ، أو متعة في طلاق ، أخذه الشفيع بمهر المرأة ، وهو قول العكلي ، ; لأنه ملك الشقص ببدل ليس له مثل ، فيجب الرجوع إلى قيمة البدل في الأخذ بالشفعة ، كما لو باعه بعوض ، واحتجوا على أخذه بالشفعة بأنه عقار مملوك بعقد معاوضة ، فأشبه البيع . والشافعي
[ ص: 183 ] ولنا ، أنه مملوك بغير مال ، أشبه الموهوب والموروث ، ولأنه يمتنع أخذه بمهر المثل ; لما ذكره ، وبالقيمة لأنها ليست عوض الشقص ، فلا يجوز الأخذ بها ، كالموروث ، فيتعذر أخذه ، ولأنه ليس له عوض يمكن الأخذ به ، فأشبه الموهوب والموروث ، وفارق البيع ، فإنه أمكن الأخذ بعوضه . مالك
فإن قلنا : إنه يؤخذ بالشفعة . فطلق الزوج قبل الدخول ، بعد عفو الشفيع ، رجع بنصف ما أصدقها ; لأنه موجود في يدها بصفته ، وإن طلقها بعد أخذ الشفيع ، رجع بنصف قيمته ; لأن ملكها زال عنه ، فهو كما لو باعته ، وإن طلق قبل علم الشفيع ، ثم علم ، ففيه وجهان ; أحدهما ، حق الشفيع مقدم ; لأن حقه أسبق ، لأنه يثبت بالنكاح ، وحق الزوج بالطلاق .
والثاني ، حق الزوج أولى ; لأنه ثبت بالنص والإجماع ، والشفعة هاهنا لا نص فيها ولا إجماع . فأما إن عفا الشفيع ، ثم طلق الزوج ، فرجع في نصف الشقص ، لم يستحق الشفيع الأخذ منه . وكذلك إن جاء الفسخ من قبل المرأة ، فرجع الشقص كله إلى الزوج ، لم يستحق الشفيع أخذه ; لأنه عاد إلى المالك لزوال العقد ، فلم يستحق به الشفيع ، كالرد بالعيب .
وكذلك كل فسخ يرجع به الشقص إلى العاقد ، كرده بعيب ، أو مقايلة ، أو اختلاف المتبايعين ، أو رده لغبن . وقد ذكرنا في الإقالة رواية أخرى ، أنها بيع ، فتثبت فيها الشفعة . وهو قول . فعلى هذا لو لم يعلم الشفيع حتى تقايلا ، فله أن يأخذ من أيهما شاء . وإن عفا عن الشفعة في البيع ، ثم تقايلا ، فله الأخذ بها . أبي حنيفة