( 4018 ) فصل : . وبهذا قال وبيع المريض كبيع الصحيح ، في الصحة ، وثبوت الشفعة ، وسائر الأحكام ، إذا باع بثمن المثل ، سواء كان لوارث أو غير وارث ، الشافعي ، وأبو يوسف . وقال ومحمد : لا يصح أبو حنيفة لأنه محجور عليه في حقه ، فلم يصح بيعه ، كالصبي . بيع المريض مرض الموت لوارثه ;
ولنا ، أنه إنما حجر عليه في التبرع في حقه ، فلم يمنع الصحة فيما سواه ، كالأجنبي إذا لم يزد على التبرع بالثلث ; وذلك لأن الحجر في شيء لا يمنع صحة غيره ، كما أن الحجر على المرتهن في الرهن لا يمنع التصرف في غيره ، والحجر على المفلس في ماله لا يمنع التصرف في ذمته . فأما بيعه بالمحاباة ، فلا يخلو ; إما أن يكون لوارث أو لغيره ، فإن كان لوارث ، بطلت المحاباة ; لأنها في المرض بمنزلة الوصية ، والوصية لوارث لا تجوز ، ويبطل البيع في قدر المحاباة من المبيع . وهل يصح فيما عداه ؟ على ثلاثة أوجه ; أحدها ، لا يصح ; لأن المشتري بذل الثمن في كل المبيع ، فلم يصح في بعضه ، كما لو قال : بعتك هذا الثوب بعشرة . فقال : قبلت البيع في نصفه . أو قال : قبلته بخمسة .
أو قال : قبلت نصفه بخمسة . ولأنه لم يمكن تصحيح البيع على الوجه الذي تواجبا عليه ، فلم يصح ، كتفريق الصفقة . الثاني ، أنه يبطل البيع في قدر المحاباة ويصح فيما يقابل الثمن المسمى ، وللمشتري الخيار بين الأخذ والفسخ ; لأن الصفقة تفرقت عليه ، وللشفيع أخذ ما صح البيع فيه .
وإنما قلنا بالصحة ; لأن البطلان إنما جاء من المحاباة ، فاختص بما قابلها . الوجه الثالث ، أنه يصح في الجميع ، ويقف على إجازة الورثة ، لأن الوصية للوارث صحيحة ، في أصح الروايتين ، وتقف على إجازة الورثة ، فكذلك المحاباة له ، فإن أجازوا المحاباة ، صح البيع في الجميع ، ولا خيار للمشتري ، ويملك الشفيع الأخذ به ; لأنه يأخذ بالثمن ، وإن ردوا ، بطل البيع في قدر المحاباة ، وصح فيما بقي .
ولا يملك الشفيع الأخذ قبل إجازة الورثة أو ردهم ; لأن حقهم متعلق بالمبيع ، فلم يملك إبطاله ، وله أخذ ما صح البيع فيه ; لأنه لا ضرر على المشتري ، ويجري مجرى المعيب إذا رضيه الشفيع بعيبه . القسم الثاني ، إذا كان المشتري أجنبيا ، والشفيع أجنبي ، فإن لم تزد المحاباة على الثلث ، صح البيع ، وللشفيع الأخذ بها بذلك الثمن ; لأن [ ص: 185 ] البيع حصل به ، فلا يمنع منها كون المبيع مسترخصا ، وإن زادت على الثلث ، فالحكم فيه حكم أصل المحاباة في حق الوارث . . وإن اختار المشتري الرد في هذه الصورة ، وفي التي قبلها ، واختار الشفيع الأخذ بالشفعة ، قدم الشفيع
وإن كان الشفيع وارثا ، ففيه وجهان ; أحدهما ، له الأخذ بالشفعة ; لأن المحاباة وقعت لغيره ، فلم يمنع منها تمكن الوارث من أخذها ، كما لو وهب غريم وارثه مالا ، فأخذه الوارث . والثاني ، يصح البيع ، ولا تجب الشفعة . وهو قول أصحاب ; لأننا لو أثبتناها جعلنا للموروث سبيلا إلى إثبات حق لوارثه في المحاباة ، ويفارق الهبة لغريم الوارث ; لأن استحقاق الوارث الأخذ بدينه لا من جهة الهبة ، وهذا استحقاقه بالبيع الحاصل من موروثه ، فافترقا . أبي حنيفة
ولأصحاب في هذا خمسة أوجه ، وجهان كهذين . والثالث ، أن البيع باطل من أصله ; لإفضائه إلى إيصال المحاباة إلى الوارث . وهذا فاسد ; لأن الشفعة فرع للبيع . ولا يبطل الأصل ببطلان فرع له وعلى الوجه الأول ، ما حصلت للوارث بالمحاباة ، إنما حصلت لغيره ، ووصلت إليه بجهة الأخذ من المشتري ، فأشبه هبة غريم الوارث . الشافعي
الوجه الرابع ، أن للشفيع أن يأخذ بقدر ما عدا المحاباة بقدره من الثمن ، بمنزلة هبة المقابل للمحاباة ; لأن المحاباة بالنصف مثلا هبة للنصف . وهذا لا يصح ; لأنه لو كان بمنزلة هبة النصف ، ما كان للشفيع الأجنبي أخذ الكل ، لأن الموهوب لا شفعة فيه . الخامس ، أن البيع يبطل في قدر المحاباة ، وهذا فاسد ; لأنها محاباة لأجنبي بما دون الثلث ، فلا تبطل ، كما لو لم يكن الشقص مشفوعا .