( 4220 ) فصل : وإن ، صح ; لما تقدم ، ولا يصح حتى يرى الأرض ; لأن المنفعة تختلف باختلافها ، ولا تعرف إلا بالرؤية ; لأنها لا تنضبط بالصفة ، ولا يصح حتى يذكر ما يكتري له من زرع أو غرس أو بناء ; لأن الأرض تصلح لهذا كله ، وتأثيره في الأرض يختلف ، فوجب بيانه . فإن قال : أجرتكها لتزرعها أو تغرسها . لم يصح ; لأنه لم يعين أحدهما ، فأشبه ما لو قال : بعتك أحد هذين العبدين ، وإن قال : لتزرعها ما شئت ، أو تغرسها ما شئت استأجر أرضا
صح . وهذا منصوص . وخالفه أكثر أصحابه ، فقالوا : لا يجوز [ ص: 280 ] لأنه لا يدري كم يزرع ويغرس . وقال بعضهم : يصح ، ويزرع نصفها ، ويغرس نصفها . ولنا أن العقد اقتضى إباحة هذين الشيئين ، فصح ، كما لو قال : لتزرعها ما شئت . ولأن اختلاف الجنسين كاختلاف النوعين ، وقوله : لتزرعها ما شئت . إذن في نوعين وأنواع ، وقد صح ، فكذلك في الجنسين ، وله أن يغرسها كلها ، وإن أحب زرعها ، كلها ، كما لو أذن له في أنواع الزرع كله ، كان له زرع جميعها نوعا واحدا ، وله زرعها من نوعين ، كذلك هاهنا الشافعي
وإن أكراها للزرع وحده ، ففيه أربع مسائل : ( 4221 ) إحداهن ، . فإنه يصح ، وله زرع ما شاء . وهذا مذهب أكراها للزرع مطلقا ، أو قال : لتزرعها ما شئت . وحكي عن الشافعي ابن سريج أنه لا يصح حتى يتبين الزرع ; لأن ضرره يختلف ، فلم يصح بدون البيان ، كما لو لم يذكر ما يكتري له من زرع أو غرس أو بناء . ولنا أنه يجوز ويباح له جميع الأنواع ; لأنها دونه ، فإذا عمم أو أطلق ، تناول الأكثر ، وكان له ما دونه ، ويخالف الأجناس المختلفة ; فإنه لا يدخل بعضها في بعض استئجارها لأكثر الزرع ضررا ،
فإن قيل : فلو اكترى دابة للركوب ، لوجب تعيين الراكب . قلنا : لأن إجارة المركوب لأكثر الركاب ضررا لا تجوز ، بخلاف المزروع ، ولأن للحيوان حرمة في نفسه ، فلم يجز إطلاق ذلك فيه ، بخلاف الأرض . فإن قيل : فلو استأجر دارا للسكنى مطلقا ، لم يجز أن يسكنها من يضر بها ، كالقصار والحداد ، فلم قلتم إنه يجوز أن يزرعها ما يضر بها ؟ قلنا السكنى لا تقتضي ضررا ، فلذلك منع من إسكان من يضر بها ; لأن العقد لم يقتضه ، والزرع يقتضي الضرر ، فإذا أطلق كان راضيا بأكثره ، فلهذا جاز
وليس له أن يغرس في هذه الأرض ، ولا يبني ; لأن ضرره أكثر من المعقود عليه .
( 4222 ) المسألة الثانية ، ، فإن له زرع ما يعينه وما ضرره كضرره أو دونه . ولا يتعين ما عينه في قول عامة أهل العلم ، إلا أكراها لزرع حنطة ، أو نوع بعينه وأهل الظاهر ، فإنهم قالوا : لا يجوز له زرع غير ما عينه ، حتى لو وصف الحنطة بأنها سمراء ، لم يجز له أن يزرع بيضاء ; لأنه عينه بالعقد ، فلم يجز العدول عنه . كما لو عين المركوب ، أو عين الدراهم في الثمن داود
ولنا أن المعقود عليه منفعة الأرض دون القمح ، ولهذا يستقر عليه العوض بمضي المدة ، إذا تسلم الأرض . وإن لم يزرعها ، وإنما ذكر القمح لتقدر به المنفعة ، فلم يتعين ، كما لو استأجر دارا ليسكنها ، كان له أن يسكنها غيره . وفارق المركوب والدراهم في الثمن ، فإنهما معقود عليهما ، فتعينا والمعقود عليه هاهنا منفعة مقدرة ، وقد تعينت أيضا ، ولم يتعين ما قدرت به ، كما لا يتعين المكيال والميزان في المكيل والموزون .
( 4223 ) المسألة الثالثة ، قال : ليزرعها حنطة ، وما ضرره كضررها ، أو دونه
فهذه كالتي قبلها ، إلا أنه لا مخالف فيها ; لأنه شرط ما اقتضاه الإطلاق ، وبين ذلك تصريح نصه ، فزال الإشكال . [ ص: 281 ] المسألة الرابعة ، قال : ليزرعها حنطة ، ولا يزرع غيرها . فذكر أن الشرط باطل ; لأنه ينافي مقتضى العقد لأنه يقتضي استيفاء المنفعة كيف شاء ، فلم يصح الشرط ، كما لو شرط عليه استيفاء المبيع بنفسه ، والعقد صحيح ; لأنه لا ضرر فيه ، ولا غرض لأحد المتعاقدين ، لأن ما ضرره مثله ، لا يختلف في غرض المؤجر ، فلم يؤثر في العقد ، فأشبه شرط استيفاء المبيع أو الثمن بنفسه القاضي
وقد ذكرنا فيما إذا شرط مكتري الدار أنه لا يسكنها غيره ، وجها في صحة الشرط ، ووجها آخر في فساد العقد ، فيخرج هاهنا مثله .