( 4231 ) فصل : إذا أجره للغراس سنة  ، صح ; لأنه يمكنه تسليم منفعتها المباحة المقصودة ، فأشبهت سائر المنافع ، وسواء شرط قلع الغراس عند انقضاء المدة ، أو أطلق . وله أن يغرس قبل انقضاء المدة ، فإذا انقضت ، لم يكن له أن يغرس ; لزوال عقده . فإذا انقضت السنة ، وكان قد شرط القلع عند انقضائها ، لزمه ذلك وفاء بموجب شرطه ، وليس على صاحب الأرض غرامة نقصه ، ولا على المكتري تسوية الحفر وإصلاح الأرض ; لأنهما دخلا على هذا ، لرضاهما بالقلع ، واشتراطهما عليه 
وإن اتفقا على إبقائه بأجر أو غيره ، جاز إذا شرطا مدة معلومة . وكذلك لو اكترى الأرض سنة بعد سنة ، كلما انقضى عقد جدد آخر  ، جاز . وإن أطلق العقد ، فللمكتري القلع ; لأن الغرس ملكه ، فله أخذه ، كطعامه من الدار التي باعها . وإذا قلع ، فعليه تسوية الحفر ; لأنه نقص دخل على ملك غيره بغير إذنه . وهكذا إن قلعه قبل انقضاء المدة هاهنا ، وفي التي قبلها ; لأن القلع قبل الوقت لم يأذن فيه المالك ، ولأنه تصرف في الأرض تصرفا نقصها ، لم يقتضه عقد الإجارة 
وإن أبى القلع ، لم يجبر عليه ، إلا أن يضمن له المالك نقص غرسه ، فيجبر حينئذ . وبهذا قال  الشافعي    . وقال  أبو حنيفة  ،  ومالك    : عليه القلع من غير ضمان النقص له ; لأن تقدير المدة في الإجارة يقتضي التفريغ عند انقضائها ، كما لو استأجرها للزرع . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { ليس لعرق ظالم حق   } . مفهومه أن ما ليس بظالم له حق . وهذا ليس بظالم ، ولأنه غرس بإذن المالك ، ولم يشرط قلعه ، فلم يجبر على القلع من غير ضمان النقص 
كما لو استعار منه أرضا للغرس مدة ، فرجع قبل انقضائها ، ويخالف الزرع ; فإنه لا يقتضي التأبيد . فإن قيل : فإن كان إطلاق العقد في الغراس يقتضي التأبيد ، فشرط القلع ينافي مقتضى العقد ، فينبغي أن يفسده . قلنا : إنما اقتضى التأبيد من حيث إن العادة في الغراس التبقية ، فإذا أطلقه حمل على العادة ، وإذا شرط خلافه ، جاز ، كما إذا باع بغير نقد البلد ، أو شرط في الإجارة شرطا يخالف العادة . إذا ثبت هذا ، فإن رب الأرض يخير بين ثلاثة أشياء أحدها أن يدفع قيمة الغراس والبناء ، فيملكه مع أرضه 
والثاني أن يقلع الغراس والبناء ، ويضمن أرش نقصه . والثالث ، أن يقر الغراس والبناء ، ويأخذ منه أجر المثل . وبهذا قال  الشافعي    . وقال  مالك    : يخير بين دفع قيمته فيملكه ، وبين مطالبته بالقلع من غير ضمان ، وبين تركه ، فيكونان شريكين . وليس بصحيح ; لأن الغراس ملك لغارسه ، لم يدفع إليه عنه عوض ، ولا رضي بزوال ملكه عنه فلا يزول عنه ، كسائر الغرس 
وإن اتفقا على بيع الغراس والبناء للمالك ، جاز . وإن باعهما صاحبهما لغير مالك الأرض ، جاز ، ومشتريهما يقوم فيهما مقام البائع . وقال أصحاب  الشافعي  ، في أحد الوجهين : ليس له بيعهما لغير مالك الأرض ; لأن ملكه ضعيف ، بدليل أن لصاحب الأرض تملكه عليه بالقيمة من غير إذنه 
 [ ص: 285 ] ولنا أنه مملوك له ، يجوز بيعه لمالك الأرض ، فجاز لغيره ، كشقص مشفوع ، وبهذا يبطل ما ذكروه ; فإن للشفيع تملك الشقص وشراءه ، ويجوز بيعه لغيره . فأما إن شرط في العقد تبقية الغراس ، فذكر  القاضي  أنه صحيح ، وحكمه حكم ما لو أطلق العقد سواء . وهو قول أصحاب  الشافعي    . ويحتمل أن يبطل العقد ; لأنه شرط ما ينافي مقتضى العقد ، فلم يصح ، كما لو شرط ذلك في الزرع الذي لا يكمل قبل انقضاء المدة ، ولأن الشرط باطل ، بدليل أنه لا يجب الوفاء به ، وهو مؤثر ، فأبطله ، كشرط تبقية الزرع بعد مدة الإجارة . 
				
						
						
