( 4532 ) فصل : أما رد العبد الآبق  ، فإنه يستحق الجعل برده وإن لم يشرط له . روي هذا عن  عمر  ،  وعلي  ،  [ ص: 23 ]  وابن مسعود    . وبه قال  شريح  ،  وعمر بن عبد العزيز  ،  ومالك  ، وأصحاب الرأي . وقد روي عن  أحمد  أنه لم يكن يوجب ذلك . قال ابن منصور    : سئل  أحمد  عن جعل الآبق ؟ فقال : لا أدري ، قد تكلم الناس فيه 
لم يكن عنده فيه حديث صحيح . فظاهر هذا أنه لا جعل له فيه ، وهو ظاهر قول  الخرقي  فإنه قال : " وإذا أبق العبد فلمن جاء به إلى سيده ما أنفق عليه    " . ولم يذكر جعلا . وهذا قول  النخعي  ،  والشافعي  ،  وابن المنذر    ; لأنه عمل لغيره عملا من غير أن يشرط له عوضا ، فلم يستحق شيئا ، كما لو رد جمله الشارد . ووجه الرواية الأولى ، ما روى عمرو بن دينار  ،  وابن أبي مليكة  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في جعل الآبق ، إذا جاء به خارجا من الحرم  ، دينارا 
وأيضا فإنه قول من سمينا من الصحابة ، ولم نعرف لهم في زمنهم مخالفا ، فكان إجماعا . ولأن في شرط الجعل في ردهم حثا على رد الإباق ، وصيانة لهم عن الرجوع إلى دار الحرب ، وردتهم عن دينهم ، وتقوية أهل الحرب بهم ، فينبغي أن يكون مشروعا لهذه المصلحة . وبهذا فارق رد الشارد ، فإنه لا يفضي إلى ذلك . والرواية الأخرى أقرب إلى المصلحة ; لأن الأصل عدم الوجوب ، والخبر المروي في هذا مرسل ، وفيه مقال ، ولم يثبت الإجماع فيه ولا القياس ، فإنه لم يثبت اعتبار الشرع لهذه المصلحة المذكورة فيه ، ولا تحققت أيضا ، فإنه ليس الظاهر هربهم إلى دار الحرب إلا في المجلوب منها ، إذا كانت قريبة ، وهذا بعيد فيهم 
فأما على الرواية الأولى ، فقد اختلفت الرواية في قدر الجعل  ، فروي عن  أحمد  أنه عشرة دراهم ، أو دينار ، إن رده من المصر ، وإن رده من خارجه ، ففيه روايتان إحداهما يلزمه دينار ، أو اثنا عشر درهما ، للخبر المروي فيه ، ولأن ذلك يروى عن  عمر   وعلي  رضي الله عنهما . والثانية ، له أربعون درهما إن رده من خارج المصر اختارها  الخلال  ، وهو قول  ابن مسعود  ،  وشريح    . فروى  أبو عمرو الشيباني  قال : قلت  لعبد الله بن مسعود    : إني أصبت عبيدا إباقا . فقال : لك أجر وغنيمة . فقلت : هذا الأجر ، فما الغنيمة ؟ قال : من كل رأس أربعين درهما . وقال أبو إسحاق    : أعطيت الجعل في زمن  معاوية  أربعين درهما . وهذا يدل على أنه مستفيض في العصر الأول . قال  الخلال    : حديث  ابن مسعود  أصح إسنادا 
. وروي عن  عمر بن عبد العزيز  ، أنه قال : إذا وجده على مسيرة ثلاث ، فله ثلاثة دنانير . وقال  أبو حنيفة    : إن رده من مسيرة ثلاثة أيام ، فله أربعون درهما ، وإن كان من دون ذلك ، يرضخ له على قدر المكان الذي تعني إليه 
ولا فرق عند إمامنا بين أن يزيد الجعل على قيمة العبد أو لا يزيد . وبهذا قال  أبو يوسف   ومحمد    . وقال  أبو حنيفة    : إن كان قليل القيمة نقص الجعل من قيمته درهما ، لئلا يفوت عليه العبد جميعه . ولنا عموم الدليل ، ولأنه جعل يستحق في رد الآبق ، فاستحقه وإن زاد على قيمته ، كما لو جعله له صاحبه ، ويستحقه إن مات سيده في تركته . وبهذا قال  أبو حنيفة    . وقال  أبو يوسف    : إن كان الذي رده من ورثة المولى ، سقط الجعل 
ولنا أن هذا عوض عن عمله ، فلا يسقط بالموت ، كالأجر في الإجارة ، وكما لو كان من غير  [ ص: 24 ] ورثة المولى . إذا ثبت هذا ، فلا فرق بين كون من رده معروفا برد الإباق أو لم يكن . وبهذا قال أصحاب الرأي . وقال  مالك    : إن كان معروفا بذلك ، استحق الجعل ، وإلا فلا . ولنا الخبر ، والأثر المذكور من غير تفريق ، ولأنه رد آبقا ، فاستحق الجعل ، كالمعروف بردهم . 
				
						
						
