( 4760 ) فصل : أحدها ، أن يوصي بذلك من صلب ماله ، فهذا تأكيد لما وجب بالشرع ، ويحج عنه من بلده ، وإن لم يف ماله بذلك ، أخذ ماله كله يدفع في الواجب ، كما لو لم يوص . الثاني ، أن يوصي بأداء الواجب من ثلث ماله ، فيصح أيضا ، فإن لم تكن له وصية غير هذه ، لم تفد شيئا ، ويؤدى من المال كله ، كما لو لم يوص . وإن كان قد أوصى بتبرع لجهة أخرى ، قدم الواجب ، وإن فضل من الثلث شيء فهو للتبرع ، وإن لم يفضل شيء سقطت ، وإن لم يف الثلث بالواجب أتم من رأس المال . هكذا ذكر وإذا أوصى بحج واجب ، أو غيره من الواجبات ، كقضاء دين ، وزكاة ، وإخراج كفارة ، لم يخل من أربعة أحوال ; . وقال القاضي : يزاحم بالواجب أصحاب الوصايا . فيحتمل أنه أراد مثل ما ذكر أبو الخطاب ، ويحتمل أنه أراد أن الثلث يقسم بين الوصايا كلها ، الواجب والتبرع بالحصص ، فما حصل للواجب أتم من رأس المال ، فيدخله الدور ، وتعمل بالجبر ، فتقول في رجل أوصى بحجة واجبة ، كفايتها عشرة من ثلثه ، ووصى بصدقة تطوع عشرة ، ومات فلم يخلف إلا ثلاثين ، فاعزل تتمة الواجب من المال ، وهي شيء مجهول ، وخذ ثلث الباقي عشرة إلا ثلث شيء ، واقسمه بين الوصيين ، لكل واحد خمسة إلا سدس شيء ، اضمم الشيء الذي عزلته إلى ما حصل للحجة ، فصار شيئا وخمسة إلا سدس شيء ، يعدل عشرة ، وخذ من الشيء سدسه ، فاجبر به بعض الخمسة ، يبقى خمسة أسداس شيء ، يعدل خمسه ، فالشيء إذا ستة ، ومتى أخذت ستة من ثلاثين ، بقي أربعة وعشرون ، ثلثها ثمانية ، لصاحب الصدقة نصفها أربعة ، وللواجب أربعة مع الستة ، صار الجميع عشرة ، فإن كان عليه أيضا دين خمسة ، عزلت تتمة الحج شيئا ، وتتمة الدين نصف شيء ، بقي ثلث المال عشرة إلا نصف شيء ، واقسمه بين الوصايا ، فيحصل للحج أربعة إلا خمس شيء ، اضمم إليها تتمته ، يصير شيئا وأربعة إلا خمس شيء ، يعدل عشرة ، وبعد الجبر يصير أربعة أخماس شيء ، تعدل ستة ، فرد على الستة ربعها ، تصر سبعة ونصفا ، يعدل شيئا ، فالشيء سبعة ونصف ، ونصف الشيء ثلاثة ونصف وربع وبقية المال ثمانية عشر وثلاثة أرباع ، ثلثها ستة وربع ، للدين خمسها واحد وربع ، إذا ضممت إليه تتمته ، كمل خمسة ، [ ص: 139 ] وللحج اثنان ونصف تكمل تتمته ، وللصدقة اثنان ونصف . وفي عملها طريق آخر ، وهو أن يقسم الثلث بكماله بين الوصايا بالقسط ، ثم ما بقي من الواجب خذه من الورثة وصاحب التبرع بالقسط ، ففي المسألة الأولى يحصل للواجب خمسة ، يبقى له خمسة ، يأخذ من صاحب التبرع دينارا ، ومن الورثة أربعة . وفي المسألة الثانية ، حصل للحج أربعة ، وبقي له ستة ، وحصل للدين ديناران ، وبقي له ثلاثة ، فيأخذان ما بقي لهما من الورثة ثلاثة ، ومن صاحب التبرع ثلاثة فيأخذ صاحب الحجة من الورثة أربعة ، ومن صاحب التبرع دينارين ، ويأخذ صاحب الدين دينارين من الورثة ، ودينارا من صاحب التبرع . الثالث ، أن يوصي بالواجب ، ويطلق ، فهو من رأس المال ، فيبدأ بإخراجه قبل التبرعات والميراث ، فإن كان ثم وصية تبرع ، فلصاحبها ثلث الباقي . وهذا قول أكثر أصحاب القاضي . وذهب بعضهم إلى أن الواجب من الثلث كالقسم الذي قبله ; لأنه إنما يملك الوصية بالثلث . ولنا ، أن الحج كان واجبا من رأس المال ، وليس في وصيته ما يقتضي تغييره ، فيبقى على ما كان عليه ، كما لو لم يوص به . وقولهم : لا تملك الوصية إلا بالثلث . قلنا : في التبرع ، فأما في الواجبات فلا تنحصر في الثلث ، ولا تتقيد به . القسم الرابع ، أن يوصي بالواجب ويقرن الوصية بالتبرع ، مثل أن يقول : حجوا عني ، وأدوا ديني ، وتصدقوا عني . ففيه وجهان ; أصحهما ، أن الواجب من رأس المال ; لأن الاقتران في اللفظ لا يدل على الاقتران في الحكم ، ولا في كيفيته ، ولذلك قال الله تعالى : { الشافعي كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } . والأكل غير واجب ، والإيتاء واجب ، ولأنه هاهنا قد عطف غير الواجب عليه ، فكما لم يستويا في الوجوب لا يلزم استواؤهما في محل الإخراج . والثاني ، أنه من الثلث ; لأنه قرن به ما مخرجه من الثلث .