( 5139 ) الفصل الثاني : أن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين    . هذا المشهور عن  أحمد    . وروي ذلك عن  عمر  ،  وعلي  ، وهو قول  ابن عباس  ،  وسعيد بن المسيب  ،  وجابر بن زيد  ، والحسن  ،  والنخعي  ،  وقتادة  ،  والثوري  ، والأوزاعي  ،  والشافعي  ، وأصحاب الرأي . وعن  أحمد  أنه يصح بغير شهود . وفعله  ابن عمر  ،  والحسن بن علي  ،  وابن الزبير  ،  وسالم  وحمزة  ابنا  ابن عمر    . وبه قال  عبد الله بن إدريس  ،  وعبد الرحمن بن مهدي  ،  ويزيد بن هارون  ، والعنبري  ،  وأبو ثور  ،  وابن المنذر  
وهو قول الزهري  ،  ومالك  ، إذا أعلنوه . قال  ابن المنذر    : لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر . وقال  ابن عبد البر    : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم {   : لا نكاح إلا بولي وشاهدين عدلين   } . من حديث  ابن عباس   وأبي هريرة   وابن عمر  ، إلا أن في نقله ذلك ضعيفا ، فلم أذكره . قال  ابن المنذر    : وقد أعتق النبي صلى الله عليه وسلم  صفية بنت حيي  فتزوجها بغير شهود . قال  أنس بن مالك  رضي الله عنه : { اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بسبعة قروش ، فقال الناس : ما ندري أتزوجها رسول الله أم جعلها أم ولد ؟ فلما أن أراد أن يركب حجبها ، فعلموا أنه تزوجها   } متفق عليه 
. قال : فاستدلوا على تزويجها بالحجاب . وقال  يزيد بن هارون    : أمر الله تعالى بالإشهاد في البيع دون النكاح ، فاشترط أصحاب الرأي الشهادة للنكاح ، ولم يشترطوها للبيع ، ووجه الأولى أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {   : لا نكاح إلا بولي مرشد ، وشاهدي عدل   } . رواه  الخلال  بإسناده . وروى  الدارقطني  ، عن  عائشة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {   : لا بد في النكاح من أربعة ; الولي ، والزوج ، والشاهدان   } . ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين ، وهو الولد ، فاشترطت الشهادة فيه ، لئلا يجحده أبوه ، فيضيع نسبه ، بخلاف البيع 
فأما نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بغير ولي وغير شهود  ، فمن خصائصه في النكاح ، فلا يلحق به غيره . 
( 5140 ) الفصل الثالث : أنه لا ينعقد إلا بشهادة مسلمين  ، سواء كان الزوجان مسلمين ، أو الزوج وحده . نص عليه  أحمد    . وهو قول  الشافعي    . وقال  أبو حنيفة    : إذا كانت المرأة ذمية ، صح بشهادة ذميين . قال  أبو الخطاب    : ويتخرج لنا مثل ذلك ، مبنيا على الرواية التي تقول بقبول شهادة بعض أهل الذمة على بعض . ولنا ، قوله عليه السلام {   : لا نكاح إلا بولي ، وشاهدي عدل   } 
ولأنه نكاح مسلم ، فلم ينعقد بشهادة ذميين ، كنكاح المسلمين . 
( 5141 ) فصل : فأما الفاسقان ، ففي انعقاد النكاح بشهادتهما روايتان    ; إحداهما ، لا ينعقد . وهو مذهب  الشافعي    ; للخبر . ولأن النكاح لا يثبت بشهادتهما ، فلم ينعقد بحضورهما ، كالمجنونين . والثانية ، ينعقد بشهادتهما . وهو قول  أبي حنيفة    ; لأنها تحمل ، فصحت من الفاسق ، كسائر التحملات . وعلى كلتا الروايتين لا يعتبر  [ ص: 8 ] حقيقة العدالة ، بل ينعقد بشهادة مستوري الحال ; لأن النكاح يكون في القرى والبادية ، وبين عامة الناس ، ممن لا يعرف حقيقة العدالة ، فاعتبار ذلك يشق 
فاكتفي بظاهر الحال ، وكون الشاهد مستورا لم يظهر فسقه ، فإن تبين بعد العقد أنه كان فاسقا  ، لم يؤثر ذلك في العقد ; لأن الشرط العدالة ظاهرا ، وهو أن لا يكون ظاهر الفسق ، وقد تحقق ذلك . وقيل : نتبين أن النكاح كان فاسدا ; لعدم الشرط . وليس بصحيح ; لأنه لو كانت العدالة في الباطن شرطا ، لوجب الكشف عنها ; لأنه مع الشك فيها يكون مشكوكا في شرط النكاح ، فلا ينعقد ، ولا تحل المرأة مع الشك في صحة نكاحها . وإن حدث الفسق فيهما ، لم يؤثر في صحة النكاح ; لأن الشرط إنما يعتبر حالة العقد . ولو أقر رجل وامرأة أنهما نكحا بولي وشاهدي عدل  ، قبل قولهما ، وثبت النكاح بإقرارهما . 
( 5142 ) فصل : ولا ينعقد بشهادة رجل وامرأتين . وهذا قول  النخعي  ، والأوزاعي  ،  والشافعي    . وعن  أحمد  ، أنه قال   : إذا تزوج بشهادة نسوة  ، لم يجز ، فإن كان معهن رجل ، فهو أهون . فيحتمل أن هذا رواية أخرى في انعقاده بذلك . وهو قول أصحاب الرأي . ويروى عن الشعبي    ; لأنه عقد معاوضة ، فانعقد بشهادتهن مع الرجال ، كالبيع . ولنا ، أن الزهري  قال : مضت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود ، ولا في النكاح ، ولا في الطلاق . رواه أبو عبيد  ، في " الأموال " 
وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم . ولأنه عقد ليس بمال ، ولا المقصود منه المال ، ويحضره الرجال في غالب الأحوال ، فلم يثبت بشهادتهن كالحدود ، وبهذا فارق البيع . ويحتمل أن  أحمد  إنما قال : هو أهون . لوقوع الخلاف فيه ، فلا يكون رواية . ( 5143 ) فصل : ولا ينعقد بشهادة صبيين    ; لأنهما ليسا من أهل الشهادة . ويحتمل أن ينعقد بشهادة مراهقين عاقلين    . ولا ينعقد بشهادة مجنونين  ، ولا سائر من لا شهادة له ; لأن وجوده كالعدم . ولا ينعقد بشهادة أصمين    ; لأنهما لا يسمعان . ولا أخرسين ; لعدم إمكان الأداء منهما . وفي انعقاده بحضور أهل الصنائع الزرية كالحجام ونحوه ، وجهان ، بناء على قبول شهادتهم 
وفي انعقاده بشهادة عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما  وجهان ; أحدهما ، ينعقد . اختاره  أبو عبد الله ابن بطة    ; لعموم قوله { إلا بولي وشاهدي عدل .   } ولأنه ينعقد بهما نكاح غير هذا الزواج ، فانعقد بهما نكاحه ، كسائر العدول . والثاني ، لا ينعقد بشهادتهما ; لأن العدو لا تقبل شهادته على عدوه ، والابن لا تقبل شهادته لوالده . 
( 5144 ) فصل : وينعقد بشهادة عبدين    . وقال  أبو حنيفة  ،  والشافعي    : لا ينعقد . ومبنى الخلاف على قبول شهادتهما في سائر الحقوق 
ونذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وينعقد بشهادة ضريرين    . وللشافعية وجهان في ذلك . ولنا ، أنها شهادة على قول ، فصحت من الأعمى ، كالشهادة بالاستفاضة ، وإنما ينعقد بشهادتهما إذا تيقن الصوت وعلم صوت المتعاقدين على وجه لا يشك فيهما ، كما يعلم ذلك من يراهما ، وإلا فلا . 
				
						
						
