( 54 ) مسألة قال : ( وكل إناء حلت فيه نجاسة ; من ولوغ كلب ، أو بول ، أو غيره ، فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب ) النجاسة تنقسم قسمين : أحدهما ; فهذا لا يختلف المذهب في أنه يجب غسلها سبعا ، إحداهن بالتراب ، وهو قول نجاسة الكلب والخنزير والمتولد منهما ، . الشافعي
وعن : أنه يجب غسلها ثمانيا ، إحداهن بالتراب ، وروي ذلك عن أحمد الحسن ; لحديث عبد الله بن المغفل ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { } رواه قال : إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات ، وعفروه الثامنة بالتراب . . والرواية الأولى أصح ، ويحمل هذا الحديث على أنه عد التراب ثامنة ; لأنه وإن وجد مع إحدى الغسلات فهو جنس آخر ، فيجمع بين الخبرين . مسلم
وقال : لا يجب العدد في شيء من النجاسات ، وإنما يغسل حتى يغلب على الظن نقاؤه من النجاسة ; لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الكلب يلغ في الإناء : { أبو حنيفة } فلم يعين عددا ; ولأنها نجاسة ، فلم يجب فيها العدد ، كما لو كانت على الأرض . ولنا ما روى يغسل ثلاثا ، أو خمسا ، أو سبعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبو هريرة } . متفق عليه ، إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا ، ولمسلم : { وأبي داود } . وحديث أولاهن بالتراب عبد الله بن المغفل ، الذي ذكرناه . وحديثهم يرويه عبد الوهاب بن الضحاك ، وهو ضعيف . وقد روى غيره من الثقات : { } . فليغسله سبعا
وعلى أنه يحتمل الشك من الراوي ، فينبغي أن يتوقف فيه ، ويعمل بغيره . وأما الأرض فإنه سومح في غسلها للمشقة ، بخلاف غيرها .
( 55 ) فصل : فإن جعل مكان التراب غيره ; من الأشنان ، والصابون ، والنخالة ، ونحو ذلك ، أو غسله غسلة ثامنة ، فقال : فيه وجهان : أحدهما لا يجزئه ; لأنه طهارة أمر فيها بالتراب ، فلم يقم غيره مقامه ، كالتيمم ; ولأن الأمر به تعبد غير معقول ، فلا يجوز القياس فيه . أبو بكر
والثاني : يجزئه ; لأن هذه الأشياء أبلغ من التراب في الإزالة ، فنصه على التراب تنبيه عليها ; ولأنه جامد أمر به في إزالة النجاسة ، فألحق به ما يماثله كالحجر في الاستجمار .
فأما الغسلة الثامنة فالصحيح أنها لا تقوم مقام التراب ; لأنه إن كان القصد به تقوية الماء في الإزالة فلا يحصل ذلك بالثامنة ; لأن الجمع بينهما أبلغ في الإزالة ، وإن وجب تعبدا امتنع إبداله ، والقياس عليه . وقال بعض أصحابنا : إنما يجوز العدول إلى غير التراب عند عدمه ، أو إفساد المحل المغسول به ، فأما مع وجوده وعدم الضرر فلا وهذا قول ابن حامد .
القسم الثاني : ففيها روايتان : إحداهما يجب العدد فيها قياسا على نجاسة الولوغ ، وروي عن نجاسة غير الكلب والخنزير ، ، أنه قال : { ابن عمر ، أمرنا بغسل الأنجاس سبعا . } فينصرف إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
والثانية ، لا يجب العدد ، بل يجزئ فيها المكاثرة بالماء من غير عدد ، بحيث تزول عين النجاسة ، وهذا قول لما روي عن الشافعي ، قال : { ابن عمر } رواه الإمام كانت الصلاة خمسين ، والغسل من الجنابة سبع مرات ، والغسل من البول سبع مرات ، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل [ ص: 47 ] حتى جعلت الصلاة خمسا ، والغسل من البول مرة ، والغسل من الجنابة مرة ، في " مسنده " أحمد ، في " سننه " وهذا نص ، إلا أن في مراجعة وأبو داود ، وهو ضعيف ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { أيوب بن جابر } . رواه إذا أصاب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ، ثم لتنضحه بماء ، ثم لتصل فيه . البخاري
ولم يأمر فيه بعدد ، وفي حديث آخر ، { أن امرأة ركبت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته ، فلما نزلت إذا على حقيبته شيء من دمها ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تجعل في الماء ملحا ، ثم تغسل به الدم } . رواه ، ولم يأمرها بعدد { أبو داود } . متفق عليه ، ولم يأمر بالعدد . ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب على بول الأعرابي سجل من ماء
ولأنها نجاسة غير الكلب ، فلم يجب فيها العدد ، وروي أن العدد لا يعتبر في غير محل الاستنجاء من البدن ، ويعتبر في محل الاستنجاء وبقية المحال ، قال : هذه الرواية وهم . ولم يثبتها . فإذا قلنا : بوجوب العدد ، ففي قدره روايتان : إحداهما سبع ; لما قدمنا . الخلال
والثانية ، ثلاث ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } . متفق عليه . إلا قوله " ثلاثا " انفرد به إذا قام أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا ; فإنه لا يدري أين باتت يده ، أمر بغسلها ثلاثا ; ليرتفع وهم النجاسة ، ولا يرفع وهم النجاسة إلا ما يرفع حقيقتها . وقد روي أن النجاسة في محل الاستنجاء تطهر بثلاث ، وفي غيره تطهر بسبع ; لأن محل الاستنجاء تتكرر فيه النجاسة ، فاقتضى ذلك التخفيف ، وقد اجتزئ فيها بثلاثة أحجار ، مع أن الماء أبلغ في الإزالة ، فأولى أن يجتزئ فيها بثلاث غسلات . مسلم
قال : الظاهر من قول القاضي ما اختار أحمد ، وهو وجوب العدد في جميع النجاسات . فإن قلنا لا يجب العدد لم يجب التراب ، وكذلك إن قلنا : لا يجب الغسل سبعا ; لأن الأصل عدم وجوبه ، ولم يرد الشرع به إلا في نجاسة الولوغ . وإن قلنا بوجوب السبع ، ففي وجوب التراب وجهان : أحدهما يجب ; قياسا على الولوغ . الخرقي
والثاني لا يجب ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل للدم وغيره ، ولم يأمر بالتراب إلا في نجاسة الولوغ ، فوجب أن يقتصر عليه ; ولأن التراب إن أمر به تعبدا وجب قصره على محله ، وإن أمر به لمعنى في الولوغ للزوجة فيه لا تنقلع إلا بالتراب ، فلا يوجد ذلك في غيره ، والمستحب أن يجعل التراب في الغسلة الأولى ; لموافقته لفظ الخبر ، وليأتي الماء عليه بعده فينظفه ، ومتى غسل به أجزأه ; لأنه روي في حديث : " إحداهن بالتراب " . وفي حديث : " أولاهن " ، وفي حديث : " في الثامنة " ، فيدل على أن محل التراب من الغسلات غير مقصود .