( 6636 ) مسألة : قال : ( وإذا قطعوا يدا ، قطعت نظيرتها من كل واحد منهم ) وجملته أن ، وجب القصاص على جميعهم . وبه قال الجماعة إذا اشتركوا في جرح موجب للقصاص ، مالك ، والشافعي وإسحاق ، ، وقال وأبو ثور الحسن ، والزهري ، ، وأصحاب الرأي ، والثوري : لا تقطع يدان بيد واحدة . ويتعين ذلك وجها في مذهب وابن المنذر ; لأنه روي عنه أن الجماعة لا يقتلون بالواحد . أحمد
وهذا تنبيه على أن الأطراف لا تؤخذ بطرف واحد ; لأن الأطراف يعتبر التساوي فيها ، بدليل أنا لا نأخذ الصحيحة بالشلاء ، ولا كاملة الأصابع بناقصتها ، ولا أصلية بزائدة ، ولا زائدة بأصلية ، ولا يمينا بيسار ، ولا يسارا بيمين ، ولا نساوي بين الطرف والأطراف ، فوجب امتناع القصاص بينهما ، ولا يعتبر التساوي في النفس ، فإننا نأخذ الصحيح بالمريض ، وصحيح الأطراف بمقطوعها وأشلها ، ولأنه يعتبر في القصاص في الأطراف التساوي في نفس القطع ، بحيث لو قطع كل واحد من جانب ، لم يجب القصاص ، بخلاف النفس ، ولأن الاشتراك الموجب للقصاص في النفس يقع كثيرا ، فوجب القصاص زجرا عنه ، كي لا يتخذ وسيلة إلى كثرة القتل ، والاشتراك المختلف فيه لا يقع إلا في غاية الندرة ، فلا حاجة إلى الزجر عنه .
ولأن إيجاب القصاص على المشتركين في النفس يحصل به الزجر عن كل اشتراك ، أو عن الاشتراك المعتاد ، وإيجابه عن المشتركين في الطرف ، لا يحصل به الزجر عن الاشتراك المعتاد ، ولا عن شيء من الاشتراك ، إلا على صورة نادرة الوقوع بعيدة الوجود ، يحتاج في وجودها إلى تكلف ، فإيجاب القصاص للزجر عنها يكون منعا لشيء ممتنع بنفسه لصعوبته ، وإطلاقا في القطع السهل المعتاد بنفي القصاص عن فاعله ، وهذا لا فائدة فيه ، بخلاف الاشتراك في النفس ، يحققه أن وجوب القصاص على الجماعة بواحد في النفس والطرف على خلاف الأصل ، لكونه يأخذ في الاستيفاء زيادة على ما فوت عليه ، ويخل بالتماثل المنصوص على النهي عما عداه ، وإنما [ ص: 233 ] خولف هذا الأصل في الأنفس ، زجرا عن الاشتراك الذي يقع القتل به غالبا ، ففيما عداه يجب البقاء على أصل التحريم ، ولأن النفس أشرف من الطرف ، ولا يلزم من المحافظة عليها بأخذ الجماعة بالواحد ، المحافظة على ما دونها بذلك .
ولنا ، ما روي أن شاهدين شهدا عند ، رضي الله عنه على رجل بالسرقة ، فقطع يده ، ثم جاءا بآخر ، فقالا : هذا هو السارق وأخطأنا في الأول . فرد شهادتهما على الثاني ، وغرمهما دية الأول ، وقال : لو علمت أنكما تعمدتما ، لقطعتكما . فأخبر أن القصاص على كل واحد منهما لو تعمدا قطع يد واحدة . ولأنه أحد نوعي القصاص ، فتؤخذ الجماعة بالواحد كالأنفس ، وأما اعتبار التساوي ، فمثله في الأنفس ، فإننا نعتبر التساوي فيها ، فلا نأخذ مسلما بكافر ، ولا حرا بعبد ، وأما أخذ صحيح الأطراف بمقطوعها ، فلأن الطرف ليس هو من النفس المقتص منها ، وإنما يفوت تبعا ; ولذلك كانت ديتهما واحدة ، بخلاف اليد الناقصة والشلاء مع الصحيحة ، فإن ديتهما مختلفة . علي
وأما اعتبار التساوي في الفعل ، فإنما اعتبر في اليد ; لأنه يمكن مباشرتها بالقطع ، فإذا قطع كل واحد منهما من جانب ، كان فعل كل واحد منهما متميزا عن فعل صاحبه ، فلا يجب على إنسان قطع محل لم يقطع مثله ، وأما النفس ، فلا يمكن مباشرتها بالفعل ، وإنما أفعالهم في البدن ، فيفضي ألمه إليها فتزهق ، ولا يتميز ألم فعل أحدهما من ألم فعل الآخر ، فكانا كالقاطعين في محل واحد ، ولذلك لا يستوفي من الطرف إلا في المفصل الذي قطع الجاني منه ، ولا يجوز تجاوزه ، وفي النفس لو قتله بجرح في بطنه أو جنبه أو غير ذلك ، كان الاستيفاء من العنق دون المحل الذي وقعت الجناية فيه .
وإذا ثبت هذا فإنما يجب القصاص على المشتركين في الطرف ، إذا اشتركوا فيه على وجه لا يتميز فعل أحدهم عن فعل الآخر ; إما بأن يشهدوا عليه بما يوجب قطعه ، فيقطع ، ثم يرجعون عن الشهادة ، أو يكرهوا إنسانا على قطع طرف ، فيجب قطع المكرهين كلهم والمكره ، أو يلقوا صخرة على طرف إنسان ، فيقطعه ، أو يقطعوا يدا يقلعوا عينا ، بضربة واحدة ، أو يضعوا حديدة على مفصل ، ويتحاملوا عليها جميعا ، أو يمدوها ، فتبين ، فإن قطع كل واحد منهم من جانب ، أو قطع أحدهم بعض المفصل ، وأتمه غيره أو ضرب كل واحد ضربة ، أو وضعوا منشارا على مفصله ، ثم مده كل واحد إليه مرة حتى بانت اليد ، فلا قصاص فيه ; لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ، ولم يشارك في قطع جميعها ، وإن كان فعل واحد منهم يمكن الاقتصاص بمفرده ، اقتص منه . وهذا مذهب . الشافعي