( 7086 ) الفصل الثالث : أنه لا يقتل حتى يستتاب ثلاثا    . هذا قول أكثر أهل العلم ; منهم  عمر  ،  وعلي  ،  وعطاء  ،  والنخعي  ،  ومالك  ،  والثوري  ، والأوزاعي  ، وإسحاق  ، وأصحاب الرأي . وهو أحد قولي  الشافعي    . وروي عن  أحمد  ، رواية أخرى ، أنه لا تجب استتابته ، لكن تستحب . وهذا القول الثاني  للشافعي  ، وهو قول  عبيد بن عمير  ،  وطاوس    . ويروى ذلك عن الحسن    ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من بدل دينه فاقتلوه   } . ولم يذكر استتابته . 
وروي أن  معاذا  قدم على  أبي موسى  ، فوجد عنده رجلا موثقا ، فقال : ما هذا ؟ قال : رجل كان يهوديا فأسلم ، ثم راجع دينه دين السوء فتهود . قال : لا أجلس حتى يقتل ، قضاء الله ورسوله . قال : اجلس . قال : لا أجلس حتى يقتل ، قضاء الله ورسوله . ثلاث مرات ، فأمر به فقتل . متفق عليه . ولم يذكر استتابته ; ولأنه يقتل لكفره ، فلم تجب استتابته كالأصلي ; ولأنه لو قتل قبل الاستتابة ، لم يضمن ، ولو حرم قتله قبله ضمن . وقال  عطاء    : إن كان مسلما أصليا ، لم يستتب ، وإن كان أسلم ثم ارتد ، استتيب . ولنا حديث أم مروان  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تستتاب . 
وروى  مالك  ، في " الموطأ " عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري  ، عن أبيه أنه قدم على  عمر  رجل من قبل  أبي موسى  ، فقال له  عمر    : هل كان من مغربة خبر ؟ قال : نعم رجل كفر بعد إسلامه ، فقال : ما فعلتم به ؟ قال : قربناه ، فضربنا عنقه . فقال  عمر    : فهلا حبستموه ثلاثا ، فأطعمتموه كل يوم رغيفا ، واستتبتموه ، لعله يتوب ، أو يراجع أمر الله ؟ اللهم إني لم أحضر ، ولم آمر ، ولم أرض إذ بلغني . ولو لم تجب استتابته لما برئ من فعلهم . ولأنه أمكن استصلاحه ، فلم يجز إتلافه قبل استصلاحه ، كالثوب النجس . وأما الأمر بقتله ، فالمراد به بعد الاستتابة ، بدليل ما ذكرنا . 
وأما حديث  معاذ  فإنه قد جاء فيه : وكان قد استتيب . ويروى أن  أبا موسى  استتابه شهرين قبل قدوم  معاذ  عليه ، وفي رواية : فدعاه عشرين ليلة ، أو قريبا من ذلك ، فجاء  معاذ  ، فدعاه وأبى ، فضرب عنقه . رواه أبو داود    . ولا يلزم من تحريم القتل وجوب الضمان ، بدليل نساء أهل الحرب وصبيانهم وشيوخهم . إذا ثبت وجوب الاستتابة ، فمدتها ثلاثة أيام . روي ذلك عن  عمر  رضي الله عنه . وبه قال  مالك  ، وإسحاق  ، وأصحاب الرأي . وهو أحد قولي  الشافعي    . وقال في الآخر : إن تاب في الحال ، وإلا قتل مكانه ،  [ ص: 18 ] وهذا أصح قوليه . وهو قول  ابن المنذر    ; لحديث أم مروان  ،  ومعاذ  ، ولأنه مصر على كفره ، أشبه بعد الثلاث . 
وقال الزهري    : يدعى ثلاث مرات ، فإن أبى ، ضربت عنقه . وهذا يشبه قول  الشافعي    . وقال  النخعي    : يستتاب أبدا . وهذا يفضي إلى أن لا يقتل أبدا ، وهو مخالف للسنة والإجماع . وعن  علي  ، أنه استتاب رجلا شهرا . ولنا حديث  عمر  ، ولأن الردة إنما تكون لشبهة ، ولا تزول في الحال ، فوجب أن ينتظر مدة يرتئي فيها ، وأولى ذلك ثلاثة أيام ، للأثر فيها ، وإنها مدة قريبة . وينبغي أن يضيق عليه في مدة الاستتابة ، ويحبس ; لقول  عمر    : هلا حبستموه ، وأطعمتموه كل يوم رغيفا ؟ ويكرر دعايته ، لعله يتعطف قلبه ، فيراجع دينه . 
				
						
						
