( 7593 ) فصل : ; لأنه عقد مع جملة الكفار ، وليس ذلك لغيره ، ولأنه يتعلق بنظر الإمام وما يراه من المصلحة ، على ما قدمناه ولأن تجويزه من غير الإمام يتضمن تعطيل الجهاد بالكلية ، أو إلى تلك الناحية ، وفيه افتيات على الإمام . ولا يجوز عقد الهدنة ولا الذمة إلا من الإمام أو نائبه
، لم يصح . فإن هادنهم غير الإمام أو نائبه ; لأنه دخل معتقدا للأمان ، ويرد إلى دار الحرب ، ولا يقر في دار الإسلام ; لأن الأمان لم يصح . وإن دخل بعضهم دار الإسلام بهذا الصلح ، كان آمنا ، وعلى من بعده الوفاء به ; لأن الإمام عقده باجتهاده ، فلم يجز للحاكم نقض أحكام من قبله باجتهاده . وإن عقد الإمام الهدنة ، ثم مات أو عزل ، لم ينتقض عهده
وإذا عقد الهدنة ، لزمه الوفاء بها ; لقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } . وقال تعالى : { فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم } . ولأنه لو لم يف بها ، لم يسكن إلى عقده ، وقد يحتاج إلى عقدها ، فإن ، جاز [ ص: 240 ] قتالهم ; لقول الله تعالى : { نقضوا العهد وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون } . وقال تعالى : { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم }
{ . ولما نقضت قريش عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، خرج إليهم ، فقاتلهم ، وفتح مكة . } { وإن نقض بعضهم دون بعض ، فسكت باقيهم عن الناقض ، ولم يوجد منهم إنكار ، ولا مراسلة الإمام ، ولا تبرؤ ، فالكل ناقضون ; لأن النبي لما هادن قريشا ، دخلت خزاعة مع النبي صلى الله عليه وسلم وبنو بكر مع قريش فعدت بنو بكر على خزاعة ، وأعانهم بعض قريش ، وسكت الباقون ، فكان ذلك نقض عهدهم ، وسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلهم . } ولأن سكوتهم يدل على رضاهم ، كما أن عقد الهدنة مع بعضهم يدخل فيه جميعهم ; لدلالة سكوتهم على رضاهم ، كذلك في النقض .
وإن أنكر من لم ينقض على الناقض ، بقول أو فعل ظاهر ، أو اعتزال ، أو راسل الإمام بأني منكر لما فعله الناقض ، مقيم على العهد ، لم ينتقض في حقه ، ويأمره الإمام بالتميز ، ليأخذ الناقض وحده ، فإن ، صار ناقضا ; لأنه منع من أخذ الناقض ، فصار بمنزلته ، وإن لم يمكنه التميز ، لم ينتقض عهده ; لأنه كالأسير . فإن امتنع من التميز ، أو إسلام الناقض ، قبل قول الأسير ; لأنه لا يتوصل إلى ذلك إلا من قبله . أسر الإمام منهم قوما ، فادعى الأسير أنه لم ينقض ، وأشكل ذلك عليه